(الذين قالوا) أي جماعة من اليهود (إن الله عهد الينا) في التوراة (ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار) وهذا منهم كذب على التوراة إذ الذي فيها مقيد بغير عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. والقربان ما يتقرب به إلى الله من نسيكة وصدقة وعمل صالح، وهو فعلان من القربة، وقد كان دأب بني إسرائيل أنهم كانوا يقرّبون القربان فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار من السماء فتحرقه، ولم يتعبّد الله بذلك كل أنبيائه ولا جعله دليلاً على صدق دعوى النبوة.
ولهذا رد الله عليهم فقال (قل قد جاءكم رسل من قبلي) كيحيى بن زكريا وشعياء وسائر من قتلوا من الأنبياء (بالبيّنات) أي الدلالات الواضحات على صدقهم (وبالذي قلتم) أي بالقربان (فلم قتلتموهم) أراد بذلك فعل أسلافهم (إن كنتم صادقين) في دعواكم.
(فإن كذّبوك) يا محمد هؤلاء اليهود (فقد كذّب) (رسل من قبلك) مثل نوح وهود وصالح وإبراهيم وغيرهم من الرسل (جاؤوا بالبينات) أي الحلال والحرام أو المعجزات الباهرات (والزبر) جمع زبور وهو الكتاب المقصور على الحكم من زبرته إذا حسنته، وقيل الزبر الواعظ والزواجر من زبرته إذا زجرته (والكتاب المنير) الواضح الجلي المضيء، يقال نار الشيء واستنار وأناره ونوره بمعنى.
وقال قتادة: الزبر كتب الأنبياء والكتاب المنير هو القرآن الكريم، وقيل الزبر المصحف، والكتاب المنير التوراة والإنجيل، وزاد أبو السعود والكتاب في عرف القرآن ما يتضمن الشرائع والأحكام، ولذلك جاء الكتاب والحكمة متعاطفين في عامة المواقع.