وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (١٠٨)
(ولا تجادل) أي لا تحاجج (عن الذين يختانون) أي يخونون (أنفسهم) بالمعاصي، والمجادلة مأخوذ من الجدل وهو الفتل، وقيل مأخوذ من الجدالة وهي وجه الأرض لأن كل واحد من الخصمين يريد أن يلقى صاحبه عليها، وسمى ذلك خيانة لأنفسهم لأن ضرر معصيتهم راجع إليهم (إن الله لا يحب) عدم المحبة كناية عن البغض، وإنما قال (من كان خواناً أثيماً) على المبالغة لأنه تعالى علم منه الإفراط في الخيانة وركوب المآثم.
(يستخفون من الناس) يستترون منه كقوله (من هو مستخف بالليل) أى مستتر قيل معناه يستحيون من الناس (ولا يستخفون من الله) أي لا يستترون ولا يستحيون منه (وهو) أي والحال أنه (معهم) بالعلم والقدرة في جميع أحوالهم، عالم بما فيه فكيف يستخفون منه، وكفى بذلك زجراً للإنسان عن ارتكاب الذنوب.
وكفى بهذه الآية ناعية على ما هم من قلة الحياء والخشية من ربهم مع علمهم أنهم في حضرته لا سترة ولا غيبة (إذ يبيّتون) أى يدبرون الرأي بينهم، وسماه تبييتاً لأن الغالب أن تكون إدارة الرأي بالليل (ما لا يرضى من القول) أي من الرأي الذي أداروه بينهم وسماه قولاً لأنه لا يحصل إلا بعد المقاولة بينهم (وكان الله بما يعملون محيطاً) عالماً علم إحاطة لا يخفى عليه شيء من أسرار عباده وهو مطلع عليهم، لا تخفى عليه خافية.


الصفحة التالية
Icon