يحكموا بين المسلم والذمي إذا ترافعا إليهم.
واختلفوا في أهل الذمة إذا ترافعوا فيما بينهم فذهب قوم إلى التخيير، وبه قال الحسن والشعبي والنخعي والزهري، وبه قال أحمد، وذهب آخرون إلى الوجوب، وقالوا إن هذه الآية منسوخة بقوله: (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) وبه قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي وهو الصحيح من قولي الشافعي، وحكاه القرطبي عن أكثر العلماء وليس في هذه السورة منسوخ إلا هذا وقوله: (ولا آمّين البيت) على ما سبق.
(و) معنى (إن تعرض عنهم) إن اخترت الإعراض عن الحكم بينهم (فلن يضروك شيئاً) أي إذا عادوك لإعراضك عنهم فإن الله يعصمك من الناس، ولا سبيل لهم عليك لأنه سبحانه حافظك وناصرك عليهم (وإن حكمت) أي اخترت الحكم بينهم (فاحكم بينهم بالقسط) أي بالعدل الذي أمرك الله به وأنزله عليك (إن الله يحب المقسطين) العادلين فيما ولوا وحكموا فيه.
وعند عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - ﷺ -: " إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " أخرجه (١) مسلم.
_________
(١) مسلم ١٨٢٧.
(وكيف يحكّمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) فيه تعجيب للنبي - ﷺ - من تحكيمهم إياه مع كونهم لا يؤمنون به ولا بما جاء به مع أن ما يحكّمونه فيه موجود عندهم في التوراة كالرجم ونحوه، وإنما يأتون إليه صلى الله عليه وآله وسلم ويحكمونه طمعاً منهم في أن يوافق تحريفهم وما صنعوه بالتوراة من التغيير.
(ثم يتولون من بعد ذلك) أي من بعد تحكيمهم لك وحكمك الموافق لما في كتابهم (وما أولئك بالمؤمنين) بك أو بكتابهم كما يدعون ويزعمون لإعراضهم عنه أولاً، وعما يوافقه ثانياً، وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها.