(أفحكم الجاهلية يبغون) الاستفهام للإنكار والتوبيخ، والمعنى أيعرضون عن حكمك بما أنزل الله عليك ويتولون عنه، ويبتغون حكم الجاهلية التي هي متابعة الهوى الموجبة للميل والمداهنة في الأحكام، وأما أهل الجاهلية وحكمهم فهو ما كانوا عليه من المفاضلة بين القتلى من بني النضير وقريظة، قال ابن عباس: هو ما كانوا عليه من الضلال والجور في الأحكام وتحريفهم إياها عما أمر الله به.
والاستفهام في (ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) للإنكار أيضاً أي لا يكون أحد حكمه أحسن من حكم الله أو مساوٍ له عند أهل اليقين لا عند أهل الجهل والاهواء، وان كان ظاهر السبك غير متعرض لنفي المساواة وإنكارها.
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) الظاهر أنه خطاب عام يعم حكمه كافة المؤمنين حقيقة، وقيل المراد بهم المنافقون، ووصفهم بالإيمان باعتبار ما كانوا يظهرونه، وقد كانوا يوالون اليهود والنصارى فنهوا عن ذلك، والأولى أن يكون خطاباً لكل من يتصف بالإيمان أعم من أن يكون ظاهراً وباطناً أو ظاهراً فقط، فيدخل المسلم والمنافق.
ويؤيد هذا قوله: (فترى الذين في قلوبهم مرض) والاعتبار بعموم اللفظ قال ابن عباس أسلم عبد الله بن أبي بن سلول ثم قال: إن بيني وبين قريظة حلفاً وإني أخاف الدوائر فارتد كافراً، وقال عبادة بن الصامت: أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسوله فنزلت، وبهذا يتضح المراد، والمراد من النهي عن اتخاذهم أولياء أن يعاملوا معاملة الأولياء في المصادقة والمعاشرة والمناصرة.
(بعضهم أولياء بعض) المعنى أن بعض اليهود أولياء للبعض الآخر منهم وبعض النصارى أولياء للبعض الآخر منهم، وليس المراد بالبعض إحدى طائفتي اليهود والنصارى، والبعض الآخر الطائفة الأخرى، للقطع بأنهم في غاية من والعداوة والشقاق، وقالت اليهود ليست النصارى على شيء، وقالت


الصفحة التالية
Icon