تواطأ القوم على كذا أي توافقوا عليه واجتمعوا، والمعنى أنهم لم يحلوا شهراً إلا حرموا شهراً لتبقى الأشهر الحرم أربعة، قال قطرب: معناه عمدوا إلى صفر فزادوه في الأشهر الحرم وقرنوه بالمحرم في التحريم، وكذا قال الطبري.
(فيحلوا ما حرم الله) من الأشهر الحرم التي أبدلوها بغيرها، ولم ينظروا إلى أعيانها (زين لهم سوء أعمالهم) أي زين لهم الشيطان أعمالهم السيئة التي يعملونها ومن جملتها النسيء فظنوه حسناً، وقرئ على البناء للفاعل (والله لا يهدي القوم الكافرين) أي المصرين على كفرهم المستمرين عليه فلا يهديهم هداية توصلهم إلى المطلوب، وأما الهداية بمعنى الدلالة على الحق والإرشاد إليه فقد نصبها الله سبحانه لجميع عباده.
(يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثاقلتم إلى الأرض) لما شرح معائب أولئك الكفار عاد إلى ترغيب المؤمنين في قتالهم، والاستفهام في (ما لكم) للإنكار والتوبيخ، أي أيّ شيء يمنعكم عن ذلك، ولا خلاف أن هذه الآية نزلت عتاباً لمن تخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك، وكانت في رجب سنة تسع من الهجرة بعد رجوعه من الطائف بعد الفتح بعام، وتبوك مكان على طرف الشام بينه وبين المدينة عشرة مراحل، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث وبعضهم يصرفه على إرادة الموضع، فقد جاء في البخاري مصروفاً وممنوعاً منه، وقصة هذه الغزوة في سيرة الحلبي مفصلة.
والنَّفر هو الانتقال بسرعة من مكان إلى مكان لأمر يحدث، يقال استنفر الإمام الناس إذا حثهم على الخروج إلى الجهاد ودعاهم إليه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا استنفرتم فانفروا " (١)، والاسم النفير.
_________
(١) مسلم ١٨٦٤.