يؤول إليه من صدق ما اشتمل عليه من حكاية ما سلف من أخبار الرسل المتقدمين، والأمم السابقين، ومن حكايات ما سيحدث من الأمور المستقبلة التي أخبر عنها قبل كونها أو قبل أن يفهموه حق الفهم وتتعقله عقولهم، فإنهم لو تدبروه كل التدبر لفهموه كما ينبغي، وعرفوا ما اشتمل عليه من الأمور الدالة أبلغ دلالة على أنه كلام الله.
وعلى هذا فمعنى تأويله ما يئول إليه لمن تدبره من المعاني الرشيقة واللطائف الأنيقة وكلمة التوقع أظهر في المعنى الأول، والمعنى أن القرآن معجز من جهة النظم ومن جهة المعنى من حيث الإخبار بالغيب.
(كذلك) أي مثل ذلك التكذيب (كذب الذين من قبلهم) من الأمم عند أن جاءتهم الرسل بحجج الله وبراهينه فإنهم كذبوا به قبل أن يحيطوا بعلمه، وقبل أن يأتيهم تأويله (فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) من الأمم السالفة من سوء العاقبة بالخسف والمسخ ونحو ذلك من العقوبات التي حلت بهم، كما حكى ذلك القرآن عنهم واشتملت عليه كتب الله المنزلة عليهم، والخطاب لرسول الله ﷺ أو لكل فرد من الناس والجملة في قوة فأهلكناهم.
(ومنهم) أي ومن هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن (من يؤمن به) في نفسه ويعلم أنه صدق وحق ولكنه كذَّب مكابرة وعناداً، وقيل المراد ومنهم من يؤمن به في المستقبل وإن كذب به في الحال (ومنهم من لا يؤمن به) ولا يصدقه في نفسه بل كذب به جهلاً وتقليداً، أو لا يؤمن به في المستقبل بل يبقى على جحوده وإصراره؛ وقيل الضمير في الموضعين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قيل أن هذا التقسيم خاص بأهل مكة، وقيل عام في جميع الكفار (وربك أعلم بالمفسدين) فيجازيهم بأعمالهم والمراد بهم المصرون المعاندون.