إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥)
(إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون) ذكر هذا عقب ما تقدم من عدم الاهتداء بالأسماع والأبصار لبيان أن ذلك لم يكن لأجل نقص فيما خلقه الله لهم من السمع والعقل والبصر والبصيرة بل لأجل ما صار في طبائعهم من التعصب والمكابرة للحق والمجادلة بالباطل، والإصرار على الكفر فهم الذين ظلموا أنفسهم بذلك، ولم يظلمهم الله شيئاً من الأشياء، بل خلقهم وجعل لهم من المشاعر ما يدركون به أكمل إدراك، وركب فيهم من الحواس ما يصلون به إلى ما يريدون، ووفر مصالحهم الدنيوية عليهم وخلى بينهم وبين مصالحهم الدينية *فعلى نفسها براقش تجني*
قيل والنكتة في وضع الظاهر موضع المضمر زيادة اليقين والتقرير، وتقديم المفعول على الفعل لإفادة القصر أو لمجرد الاهتمام مع مراعاة الفاصلة.
(و) اذكر (يوم نحشرهم) أي المشركين المنكرين للبعث لموقف الحساب، وأصل الحشر إخراج الجماعة وإزعاجهم من مكانهم أي إحياؤهم من القبور (كأن) أي كأنهم (لم يلبثوا) أي مشبهين بمن لم يلبث (إلا ساعة من النهار) أي شيئاً قليلاً.
والمراد باللبث هو اللبث في الدنيا وقيل في القبور، استقلوا المدة الطويلة إما لأنهم ضيعوا أعمارهم في الدنيا فجعلوا وجودها كالعدم أو استقصروها للدهش والحيرة أو لطول وقوفهم في المحشر أو لشدة ما هم فيه من العذاب، نسوا لذات الدنيا وكأنها لم تكن ومثل هذا قولهم (لبثنا يوماً أو بعض يوم) أو لأن مقامهم في الدنيا في جنب مقامهم في الآخرة قليل جداً.