يداوى به، وإنما خص الصدر بالذكر لأنه موضع القلب وغلافه وهو أعز موضع في بدن الإنسان لمكان القلب فيه، وداء الجهل أضر للقلب من داء المرض للبدن، والقرآن مزيل لأمراض القلب كلها.
(وهدى ورحمة للمؤمنين) بأنجائهم من الضلال، نزل بالعطف تغاير الصفات منزلة تغاير الذات، والهدى والإرشاد لمن اتبع القرآن وتفكر فيه وتدبر معانيه إلى الطريق الموصلة إلى الجنة، والرحمة هي ما يوجد في الكتاب العزيز من الأمور التي يرحم بها عباده فيطلبها من أراد ذلك حتى ينالها فالقرآن العظيم مشتمل على هذه الأمور جامع لهذه الأشياء كلها.
قال الكرخى: والحاصل أن الموعظة إشارة إلى تطهير ظواهر الخلق عما لا ينبغي وهو الشريعة، والشفاء إشارة إلى تطهير الباطن عن العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة وهو الطريقة، والهدى إشارة إلى ظهور نور الحق في قلوب الصديقين وهو الحقيقة، والرحمة إشارة إلى كونها بالغة في الكمال والإشراق إلى حيث تصير مكملة للناقصين، وهي النبوة فهذه درجات عقلية ومراتب برهانية مدلول عليها بهذه الألفاظ القرآنية لا يمكن تأخير ما تقدم ذكره إ-هـ.
ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل الخطاب معه بعد خطابه للناس على العموم فقال
(قل بفضل الله وبرحمته) المراد بالفضل من الله سبحانه تفضله على عباده في الآجل والعاجل بما لا يحييط به الحصر والرحمة رحمة لهم، وروي عن ابن عباس أنه قال: فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام؛ وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة إن فضل الله الإيمان ورحمته القرآن.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله وسلم: فضل الله القرآن ورحمته: أن جعلكم من أهله. رواه أبو الشيخ وابن مردويه، وقد روي عن جماعة من التابعين نحو هذه الروايات المتقدمة، والأولى حمل الفضل والرحمة على العموم، ولدخل في ذلك ما في القرآن منهما دخولاً أولياً.
وتكرير الباء في برحمته للدلالة على أن كل واحد من الفضل والرحمة