(وكان في معزل) أي في مكان عزل فيه نفسه عن قومه وقرابته بحيث لم يبلغه قول نوح (اركبوا فيها) وقيل في معزل من دين الله وقيل من السفينة. قيل وكان هذا النداء قبل أن يستيقن الناس الغرق، بل كان في أول فور التنور قبل سير السفينة.
(يا بني) أصله بثلاث ياءات ياء التصغير ولام الكلمة وياء المتكلم (اركب معنا) في السفينة أي أسلم واركب، قال ملا عليّ الجيلاني: الظاهر أن معنى الآية أسلم لتستحق الركوب معنا.
(ولا تكن مع الكافرين) في البعد عنا فتهلك معهم، نهاه عن الكون معهم خارج السفينة، ويمكن أن يراد بالكون معهم الكون على دينهم في الكفر، والأول أولى لأنه عليه السلام بصدد التحذير عن الهلكة فلا يلائمه النهي عن الكفر.
ثم حكى الله سبحانه ما أجاب به ابن نوح على أبيه فقال
(قال سآوي) أي سألتجئ وأصير (إلى جبل يعصمني) أي يمنعني بارتفاعه وعلوه (من) وصول (الماء) إليّ زعماً منه أن ذلك كسائر المياه في أزمنة السيول المعتادة التي ربما يتقي منها بالصعود إلى الربى، وأنى له ذلك وقد بلغ السيل الزبى، وجهلاً بأن ذلك إنما كان لإهلاك الكفرة، وأن لا محيص من ذلك سوى الالتجاء إلى ملجأ المؤمنين، فلذلك أراد عليه السلام أن يبين له حقيقة الحال، وأن يصرفه عن ذلك الفكر المحال.
(قال) أي فأجاب عنه نوح بقوله (لا عاصم) من الجبال أي لا مانع (اليوم من أمر الله) فإنه يوم قد حق فيه العذاب وجف القلم بما هو كائن، فيه نفي جنس العاصم فيندرج تحته العاصم من الغرق في ذلك اليوم اندراجاً أولياً، وعبر عن الماء أو عن الغرق بأمر الله سبحانه تفخيماً لشأنه وتهويلاً لأمره (إلا من رحم) وقرئ على البناء للمفعول والاستثناء منقطع قاله الزجاج أي لكن من رحمه فهو يعصمه واستظهره السفاقسي أو متصل على أن يكون عاصم


الصفحة التالية
Icon