والدلالة على كنه الحال مع الإيجاز الخالي عن الإخلال. قال الخفاجي: هذه الآية حوت من البلاغة أمراً عجيباً ترقص الرؤوس له طرباً وما اشتملت عليه من الفصاحة والنكات مفصل في شرح المفتاح.
وقال أبو السعود: ولقد بلغت الآية الكريمة من مراتب الإعجاز قاصيتها، وملكت من غرر المزايا ناصيتها، وقد تصدى لتفصيلها المهرة المتقنون، ولعمري إن ذلك فوق ما يصفه الواصفون، فحري بنا أن نوجز الكلام في هذا الباب ونفوّض الأمر إلى تأمل أولي الألباب والله عنده علم الكتاب.
(ونادى نوح ربه) أي دعاه، والظاهر أن هذا النداء كان قبل سيرها لأنه سؤال في تجاه ابنه ولا معنى للسؤال إلا عند إمكان النجاة، والمراد أنه أراد دعاءه بدليل الفاء في قوله (فقال رب إن ابني من أهلي) وعطف الشيء على نفسه غير سائغ فلابد من التقدير المذكور قاله الزمخشري. وقيل عطف تفسير أو تفصيل إذ القول المذكور هو عين النداء فهو مرتبط في المعنى بقوله (ونادى نوح ابنه) والمعنى أنه من الأهل الذين وعدتني بتنجيتهم بقولك وأهلك.
فإن قيل كيف طلب نوح عليه السلام إنجاز ما وعده الله بقوله (وأهلك) وهو المستثنى منه وترك ما يفيده الاستثناء وهو إلا من سبق عليه القول فيجاب بأنه لم يعلم إذ ذاك أنه ممن سبق عليه القول فإنه كان يظنه من المؤمنين.
(وإن وعدك الحق) الصدق الذي لا خلف فيه وهذا منه (وأنت أحكم الحاكمين) أي أتقن المتقنين لما يكون به الحكم فلا يتطرق إلى حكمك نقض، وقيل أراد به أعلمهم وأعدلهم أي أنت أكثر علماً وعدلاً من ذوي الحكم، وقيل أن الحاكم بمعنى ذي الحكمة كدراع.