سورة هود
... قال تعالى: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ ١ أي: يتقدمهم٢، ويستعمل منه الفعل لازماً ومتعدياً٣، كما يُقال: أخذني ما قدم وما حدث، ويقال: هذا قدم هذا وهو يقدمه، ومنه سُمِّيت القدم قدماً؛ لأنها تقدم بقية بدن الإنسان٤.
قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ ٥ أي: غير مقطوع٦، ولا يُنافي ذلك قوله: ﴿إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾.
واختلف السلف في هذا الاستثناء: فقيل: معناه إلا مدة مكثهم في النار، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار ثم أُخرج منها، لا لكلِّهم. وقيل: إلا مدة مقامهم في الموقف. وقيل: إلا مدة مقامهم في القبور والموقف. وقيل: هو استثناء استثناه الرب ولا يفعله، كما تقول: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وأنت لا تراه، بل تجزم بضربه.

١ سورة هود، الآية: ٩٨.
٢ بهذا فسر الزجاج الآية في معاني القرآن وإعرابه (٣/٧٦)، والنحاس في إعراب القرآن
(٢/٣٠٠)، والزمخشري في الكشاف (٢/٢٩١).
٣ انظر تهذيب اللغة (٩/٤٩)، ولسان العرب (١١/٦٥) "قدم" ففيهما ما يدل لقول المؤلف.
٤ شرح العقيدة الطحاوية، ص (٧٧، ٧٨). وقوله: "ومنه سميت القدم... الخ" ذكر نحوه ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (٥/٦٦) "قدم".
٥ سورة هود، الآية: ١٠٨.
٦ ثبت هذا التفسير عن ابن عباس وقتادة. انظر جامع البيان (١٥/٤٩٠). وبهذا فسَّره أبو عبيدة وغيره. انظر مجاز القرآن (١/٩٩)، وغريب القرآن وتفسيره لليزيدي، ص (١٧٨).


الصفحة التالية
Icon