ثم ذكر تسلية أخرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد التسلية الأولى بكفايته شرهم ودفعه مكرهم فقال
(ولقد نعلم إنك يضيق صدرك بما يقولون) الأقوال الكفرية المتضمنة للطعن عن رسول الله ﷺ بالسحر والجنون والكهانة والكذب وقد كان يحصل ذلك من رسول الله ﷺ بمقتضى الجبلة البشرية والمزاج الإنساني وإن كان مفوضاً جميع أموره لربه.
ثم أمره سبحانه بأن يفزع لكشف ما نابه من ضيق الصدر إلى تسبيح الله سبحانه وحمده فقال
(فسبح بحمد ربك) أي افزع إلى الله فيما نابك وافعل التسبيح المتلبس بالحمد أو فنزهه عما يقولون حامداً له على أن هداك للحق (وكن من الساجدين) أي من المصلين فإنك إذا فعلت ذلك كشف الله همك وأذهب غمك وشرح صدرك، وفي الكلام مجاز ثم أمره بعبادة ربه فقال:
(واعبد ربك) من عطف العام على الخاص أي دم على عبادته إلى غاية هي قوله (حتى يأتيك اليقين) قال الواحدي: قال جماعة المفسرين يعني الموت " لأنه موقن به متيقن الوقوع والنزول، لا يشك فيه أحد.
وقال أبو حيان: أن اليقين من أسماء الموت وبنزوله يزول كل شك، ووقَّت العبادة بالموت إعلاماً بأنها ليست لها نهاية دون الموت، فلا يرد ما قيل أي فائدة لهذا التوقيت مع أن كل أحد يعلم أنه إذا مات سقطت عنه العبادات.
وإيضاح الجواب أن المراد واعبد ربك في جميع زمان حياتك ولا تخل لحظة من لحظات الحياة من العبادة والله أعلم بمراده.
قال الزجاج: المعنى اعبد ربك أبداً لأنه لو قيل أعبد ربك بغير توقيت لجاز إذا عبد الإنسان مرة أن يكون مطيعاً فإذا قال حتى يأتيك اليقين فقد أمره بالإقامة على العبادة أبداً ما دام حياً، ومثله قوله تعالى في سورة مريم (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً) وكان رسول الله ﷺ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.