قال القرطبي: إنه مثل مضروب لأي قرية كانت على هذه الصفة من سائر القرى فيجوز أن تراد قرية مقدرة على هذه الصفة، ويجوز أن تكون في قرى الأولين قرية كانت هذه حالها فضربها الله مثلاً لمكة إنذاراً من مثل عاقبتها.
وذهب الأكثرون إلى الأول وصرحوا بأنها مكة، وذلك لما دعا عليهم رسول الله ﷺ وقال: " اللهم أشدد وطأتك على مضر وأجعلها عليهم سنين كسني يوسف " (١) فابتلوا بالقحط حتى أكلوا العظام، والثاني أرجح لأن تنكير قرية يفيد بذلك، ومكة تدخل في هذا العموم البدلي دخولاً أولياً.
وأيضا يكون الوعيد أبلغ والمثل أكمل وغير مكة مثلها، وعلى فرض إرادتها ففي المثل إنذار لغيرها من مثل عاقبتها. وعن ابن عباس قال: يعني مكة وعن عطية مثله وزاد فقال: ألا ترى أنه قال
_________
(١) مسلم ٦٧٥ - البخاري ٤٨٣.
(ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه) قال الواقدي: ذكر المشبه به ولم يذكر المشبه لوضوحه عند المخاطبين.
والآية عند عامة المفسرين نازلة في أهل مكة وما امتحنوا به من الخوف والجوع بعد الأمن والنعمة بتكذيبهم النبي ﷺ فتقدير الآية ضرب الله مثلاً لقريتكم، أي بيَّن الله لها شبهاً، ثم وصف القرية بأنها (كانت آمنة) غير خائفة.
(مطمئنة) غير منزعجة، أي لا يخاف أهلها ولا ينزعجون، وعن ابن شهاب قال القرية التي كانت آمنة مطمئنة هي يثرب.
قلت ولا أدري أي دليل على هذا التعيين ولا أي قرينة قامت له على ذلك ومتى كفرت دار الهجرة ومسكن الأنصار بأنعم الله وأي وقت أذاقها الله