المخلوقات من العدم إلى الوجوب ابتداعاً واختراعاً لم يتقدم عليه ما يكون
كالمثال له، وأما النشأة الآخرة فقد تقدم عليها النشأة الأولى فكانت كالمثال
لها.
ومعنى (من قبل) من قبل بعثه، وقدره الزمخشري من قبل الحالة التي هو عليها الآن وهي حالة بقائه (ولم يك شيئاً) أي والحال أنه لم يكن حينئذ شيئاً من الأشياء أصلاً، فالإعادة بعد أن كان شيئاً موجوداً أسهل وأيسر وأهون. ثم لما جاء سبحانه وتعالى بهذه الحجة التي أجمع العقلاء على أنه لم تكن في حجج البعث حجة أقوى منها أكد بالقسم باسمه سبحانه. مضافاً إلى رسوله تشريفاً له وتعظيماً، أو لأن العادة جارية بتأكيد الخبر بالتمييز فقال:
(فوربك لنحشرنهم) أي لنسوقنهم إلى المحشر بعد إخراجهم من قبورهم أحياء كما كانوا (والشياطين) والواو للعطف أو بمعنى مع. والمعنى أن هؤلاء الجاحدين للبعث يحشرهم الله مع شياطينهم الذين أغووهم وأضلوهم في سلسلة، وهذا ظاهر على جعل اللام في الإنسان للعهد وهو الإنسان الكافر، وأما على جعلها للجنس فلكونه قد وجد في الجنس من يحشر مع شيطانه.
(ثم لنحضرنهم حول جهنم) من خارجها قبل دخولها، وقيل في داخلها (جثياً) جمع جاث من قولهم جثا على ركبتيه يجثو جثواً أي جاثين على ركبهم لما يصيبهم من هول الموقف وروعة الحساب، أو يكون الجثي على الركب شأن أهل الموقف كما في قوله سبحانه: وترى كل أمة جاثية.
وقيل المراد بقوله جثياً جماعات وأصله جمع جَثْوة، والجثوة هي المجموع من التراب والحجارة. قال ابن عباس: جثياً قعوداً.
(ثم لننزعن من كل شيعة) أي من كل أمة وفرقة وأهل دين وملة من الكفار. والشيعة الفرقة التي تبعث ديناً من الأديان، وخصص ذلك الزمخشري