إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (٩٨)
(إن كل من في السماوات والأرض) أي ما كل من فيهما (إلا) وهو (آتي الرحمن) وَجَّد آتي وآتيه الأتي حملاً على لفظ (كل) وهو اسم فاعل مَن أتى وهو مستقبل، أي يأتيه يوم القيامة (عبداً) مقراً بالعبودية خاضعاً ذليلاً منهم عزير وعيسى، كما قال (وكل أتوه داخرين) أي صاغرين، والمعنى أن الخلق كلهم عبيده، فكيف يكون واحد منهم ولداً له؟ وقرئ آت على الأصل
(لقد أحصاهم) أي حصرهم بعلمه، وَعَلِمَ عَدَدَهم وأحاط بهم (وعدهم عداً) أي عد أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم وأيامهم وآثارهم بعد أن حضرهم، فلا يخفى عليه أحد منهم ولا شيء من أمورهم.
(وكلهم) أي كل واحد منهم تحت قهره وقدرته وتدبيره (آتيه يوم القيامة فرداً) أي وحيداً ولا ناصراً له ولا مال معه، كما قال سبحانه (يوم لا ينفع مال ولا بنون). ثم ذكر الله سبحانه من أحوال المؤمنين بعض ما خصهم به بعد ذكره لقبائح الكافرين فقال:
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً) الجمهور من السبعة وغيرهم على ضم الواو، وقرئ بكسرها وفتحها، أي حباً في قلوب عباده يجعله لهم من دون أن يطلبوه بالأسباب التي توجب ذلك، كما يقذف في قلوب أعدائهم الرعب، وهذا الجعل في الدنيا، والسين للدلالة على أن ذلك لم يكن من قبل وأنه مجعول من بعد نزول الآية، لأن المؤمنين كانوا