يُعبدون من دون الله " فنزلت (إن الذين سبقت) الآية. وفي الباب روايات
(لو كان هؤلاء) أي هذه الأصنام (آلهة) كما تزعمون (ما وردوها) أي ما ورد العابدون والمعبودون في النار، وقيل العابدون فقط، لكنهم وردوها فلم يكونوا آلهة، وفي هذا تبكيت لعباد الأصنام وتوبيخ شديد (وكل فيها) أي كل العابدين والمعبودين في النار (خالدين) لا يخرجون منها.
(لهم) أي لهؤلاء الذين وردوا النار (فيها زفير) وهو صوت نفس المغموم، والمراد هنا الأنين والبكاء والتنفس الشديد والعويل. وقد تقدم بيان هذا في هود (وهم فيها لا يسمعون) أي لا يسمع بعضهم زفير بعض لشدة الهول. وقال ابن مسعود في الآية: إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أُخر، ثم تلك التوابيت في توابيت أُخر عليها مسامير من نار، فلا يسمعون شيئاً ولا يرى أحد منهم أن في النار أحداً يعذب غيره.
وقيل لا يسمعون شيئاً لأنهم يحشرون صماً، كما قال سبحانه: (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً) وإنما سلبوا السماع لأن فيه بعض تروّح وتأنس. وقيل لا يسمعون ما يسرهم، بل يسمعون ما يسوءهم، ثم لما بين سبحانه حال هؤلاء الأشقياء شرع في بيان حال السعداء فقال:
(إن) هي بمعنى إلا، أي إلا (الذين سبقت لهم منا الحسنى) أي العدة الجميلة والخصلة الحسنى التي هي أحسن الخصال وهي السعادة. وقيل التوفيق أو التبشير بالجنة أو نفس الجنة (أولئك) أي الموصوفون بتلك الصفة (عنها) عن جهنم (مبعدون) لأنهم قد صاروا في الجنة. وقال الجنيد: المعنى سبقت منا العناية في البداية فظهرت لهم الولاية في النهاية.