والرابع قوله:
(أم يقولون به جنة) هذا أيضاً انتقال من توبيخ إلى توبيخ أي بل أيقولون به جنون؟ مع أنهم قد علموا أنه أرجح الناس عقلاً وأثقبهم ذهناً وأوجههم لباً، ولكنه جاء بما يخالف هواهم، فدفعوه وجحدوه تعصباً وحمية، وسيأتي خامس في قوله، (أم تسألهم خرجاً)، ثم أضرب سبحانه عن ذلك كله فقال: (بل جاءهم بالحق) أي ليس الأمر كما زعموا في حق القرآن والرسول، بل جاءهم متلبساً بالحق، والحق هو الدين القويم، أو القرآن المشتمل على التوحيد وشرائع الإسلام، وعن أبي صالح قال: الحق هو الله عز وجل.
(وأكثرهم للحق كارهون) لما جبلوا عليه من التعصب والانحراف عن الصواب والبعد عن الحق، فلذلك كرهوا هذا الحق الواضح الظاهر، والمراد بالحق هنا أعم من الأول؛ فلذلك أتى به مظهراً في مقام المضمر، وظاهر النظم القرآني أنّ أقلهم كانوا لا يكرهون الحق ولكنهم لم يظهروا الإيمان خوفاً من الكارهين له أو لقلة فطنتهم وعدم فكرتهم لا لكراهة الحق.
(ولو اتبع الحق أهواءهم) مستأنفة لبيان أنه لو جاء الحق على ما يهوونه ويريدونه من الشريك والولد لله تعالى لكان ذلك مستلزماً للفساد العظيم وخروج نظام العالم عن الصلاح بالكلية، وهو معنى قوله: (لفسدت السماوات والأرض) قال ابن جريج ومقاتل والسدي: الحق هو الله؛ والمعنى لو جعل الله مع نفسه كما تحبون شريكاً لفسدت هي (ومن فيهن) وقال الفراء والزجاج: الحق القرآن، أي لو نزل القرآن بما يحبون من الشرك لفسد نظام العالم، وقيل المعنى لو كان الحق ما يقولون من اتخاذ الآلهة مع الله لأختلفت الآلهة، ومثل ذلك قوله: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) لوجود التمانع في الشيء عادة عند تعدد الحاكم وقد ذهب إلى القول الأول الأكثرون، ولكنه يرد عليه أن المراد بالحق هنا هو الحق المذكور قبله، من قوله: (بل جاءهم بالحق)، ولا يصح أن يكون المراد به هنالك الله


الصفحة التالية
Icon