(فقال ما لي) وقرئ بسكون الياء (لا أرى الهدهد)؟ أي ما للهدهد لا أراه؟ فهذا من الكلام المقلوب الذي تستعمله العرب كثيراً. وقيل: لا حاجة إلى ادعاء القلب، إذ المعنى صحيح بدونه، بل هو استفهام واستخبار عن المانع له من رؤية الهدهد، كأنه قال: ما لي لا أراه هل ذلك لساتر يستره عنه؟ أو لشيء آخر؟
قال الكلبي: ولم يكن له في مسيره إلا هدهد واحد، والهدهد معروف.
ثم ظهر له أنه غائب فقال: (أم كان من الغائبين)؟ فلم أره لغيبته، و (أم) هي المنقطعة التي بمعنى الإضراب، عن ابن عباس أنه سئل: كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟ فقال: إن سليمان نزل منزلاً فلم يدر ما بعد الماء، وكان الهدهد يدل سليمان على الماء، فأراد أن يسأله عنه ففقده، قال سعيد بن جبير: لما ذكر ابن عباس رضي الله عنه هذا قيل له: كيف ذلك: والهدهد ينصب له الفخ يلقى عليه التراب ويضع له الصبي الحباله فيغيبها فيصيده فقال: إذا جاء القضاء، ونزل القدر، ذهب اللب، وعمي البصر، فلما تحقق الغيبة قال:
(لأعذبنه عذاباً شديداً) اختلفوا في هذا العذاب الشديد ما هو؟ فقال ابن عباس ومجاهد وابن جريج: هو أن ينتف ريشه جميعاً وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين؛ وقال يزيد ابن رومان: هو أن ينتف ريش جناحيه وقيل: يحبسه مع أضداده، وقيل: أن يمنعه من خدمته وقيل: إلقاءه في الشمس وقيل: التفريق بينه وبين إلفه. وقيل: إلزامه خدمة أقرانه. وقيل: إيداعه في القفص. وقيل: طرحه بين يدي النمل ليأكله، وفي هذا دليل على أن العقوبة على قدر الذنب، لا على قدر الجسد. وحل له تعذيب الهدهد لما رأى فيه من المصلحة، كما حل ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع، وإذا سخر له الطير لم يتم التسخير إلا بالتأديب والسياسة.
وعن الحسن قال: كان اسم هدهد سليمان غبر، قال الشوكاني: لا