(الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) بالجر نعتاً للعرش، وبالرفع نعتاً للرب، وخص العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات، كما ثبت ذلك في المرفوع إلى رسول الله - ﷺ -.
وأما عرش بلقيس فتعظيمه بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك، وهذا بالنسبة إلى جميع الموجودات من السماء والأرض، وبينهما بون عظيم كما تقدم، وإلى هنا كلام الهدهد، لكنه من قوله: الذي يخرج إلى هنا ليس داخلاً تحت قوله: أحطت بما لم تحط به يعني ليس مما علمه الهدهد دون سليمان، بل سليمان يعلمه أيضاً على وجه أتم وأكمل من علم الهدهد، وإنما ذكره الهدهد بياناً لما هو عليه معتقده، وإظهاراً لتصلبه في الدين.
فلما فرغ الهدهد من كلامه
(قال) له سليمان: (سننظر) فيما أخبرتنا به من هذه القصة، ونتعرف. والنظر والتأمل والتصفح: فيه إرشاد إلى البحث عن الأخبار، والكشف عن الحقائق، وعدم قبول خبر المخبرين تقليداً لهم، واعتماداً عليهم، إذا تمكن من ذلك بوجه من الوجوه.
(أصدقت)؟ فيما قلت، والهمزة استفهامية.
(أم كنت من الكاذبين)؟ أم هي المتصلة، وهذا القول أبلغ من قوله أم كذبت فيه، مع أنه أخصر وأشهر لأن المعنى من الذين اتصفوا بالكذب، وصار خلقاً لهم، فهو يفيد أنه كاذب لا محالة على أتم وجه، ومن كان كذلك لا يوثق به.
وقال البيضاوي: التغيير للمبالغة، والمحافظة على الفواصل. ثم بيَّن سليمان هذا النظر الذي وعد به فقال:
(اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم) أي: إلى أهل سبأ. قال الزجاج: في ألقه خمسة أوجه قرئ بها، وخص الهدهد بإرساله بالكتاب لأنه المخبر