وأنه وحده لا شريك له؟ والاستفهام للإنكار والاستبعاد. ذكر في السماوات والأرض الخلق، وفي الشمس والقمر التسخير، لأن مجرد خلقهما ليس حكمة، فإن الشمس لو كانت مخلوقة بحيث تكون في موضع واحد لا تتحرك ما حصل الليل والنهار، ولا الصيف ولا الشتاء، فحينئذ الحكمة إنما هي في تحريكهما وتسخيرهما، ولما قال المشركون لبعض المؤمنين: لو كنتم على حق لم تكونوا فقراء دفع الله سبحانه ذلك بقوله:
(الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) أي التوسيع في الرزق والتقتير له هو من الله الباسط القابض، يبسطه لمن يشاء، ويضيقه على من يشاء، على حسب ما تقتضيه حكمته، وما يليق بأحوال عباده من القبض والبسط، ولهذا قال: (إن الله بكل شيء عليم) يعلم ما فيه صلاح عباده وفسادهم ومنه البسط والتضييق.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) أي جدبها، وقحط أهلها (ليقولن الله) أي يعترفون بذلك لا يجدون إلى إنكاره سبيلاً فكيف يشركون به بعد هذا الإقرار؟ ثم لما اعترفوا هذا الاعتراف في هذه الآيات؛ وهو يقتضي بطلان ما هم عليه من الشرك وعدم إفراد الله سبحانه بالعبادة أمر الله رسوله - ﷺ - أن يحمد الله على إقرارهم بذلك وعدم جحودهم، مع تصلبهم في العناد، وتشددهم في رد كل ما جاء به رسول الله - ﷺ - من التوحيد، فقال:
(قل الحمد لله) أي: أحمد الله على أن جعل الحق معك، وأظهر حجتك عليهم، وقيل: على إنزال الماء، وإحياء الأرض بالنبات، والأول أولى، ثم ذمهم فقال: (بل أكثرهم لا يعقلون) الأشياء التي يتعقلها العقلاء فلذلك لا يعلمون بمقتضى ما اعترفوا به مما يستلزم بطلان ما هم عليه عند كل عاقل، ثم أشار سبحانه إلى تحقير الدنيا وتصغيرها، وأنها من جنس اللعب واللهو، وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة، وأن الدار على الحقيقة هي الدار الآخرة فقال:


الصفحة التالية
Icon