(فإذا هو خصيم مبين) هذه الجملة معطوفة على الجملة المنفية قبلها داخلة معها في حيز الإنكار، المفهوم من الاستفهام؛ وإذا هي الفجائية أي. ألم ير الإنسان أنا خلقناه من أضعف الأشياء وأخسها وأمهنها ففاجأ خصومتنا في أمر قد قامت فيه عليه حجج الله وبراهينه؛ وشهدت بصحته وتحققه مبدأ فطرته شهادة بينة. والمعنى: العجب من جهل هذا المخاصم -مع مهانة أصله ودناءة أوله- كيف يتصدى. لمخاصمة الجبار؟ ويبرز لمجادلته في إنكار البعث؟ ولا يتفكر في بدء خلقه وأنه من نطفة قذرة وهو غاية المكابرة، والخصيم الشديد الخصومة الكثير الجدال، ومعنى المبين: المظهر لما يقوله الموضح له بقوة عارضته وطلاقة لسانه.
قال ابن عباس: " جاء العاص بن وائل إلى رسول الله ﷺ بعظم حائل ففتّه بيده فقال: يا محمد أيحيى الله هذا بعد ما أرى؟ قال: نعم يبعث الله هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم فنزلت الآيات من آخر يس: أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة الخ (١) " أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في معجمه.
وعنه قال: جاء عبد الله بن أبيّ في يده عظم حائل إلى النبي ﷺ وذكر مثل ما تقدم. قال ابن كثير: وهذا منكر لأن السورة مكية وابن أبيّ إنما كان بالمدينة، وعنه قال: جاء أبيّ بن خلف الجمحي وذكر نحو ما تقدم؛ وعنه أيضاًً قال: نزلت في أبي جهل وذكر نحو ما تقدم.
_________
(١) رواه الطبري ٢٣/ ٣٠ والسيوطي في الدرر ٥/ ٢٦٩.
(وضرب لنا مثلاً) بفته العظم والجملة معطوفة على الجملة المنفية داخلة في حيز الإنكار المفهوم من الاستفهام، فهي تكميل للتعجيب من حال الإنسان، وبيان جهله بالحقائق، وإهماله للتفكر في نفسه فضلاً عن التفكر في سائر مخلوقات الله.
ويجوز أن تكون جملة: (فإذا هو خصيم مبين) معطوفة على خلقنا،