والمراد بإحياء العظام في الآية ردها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس، وقد استدل أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي بهذه الآية على أن العظام مما تحله الحياة، وقال الشافعي: لا تحلها الحياة، وأن المراد بقوله: من يحيي العظام؟ من يحيي أصحاب العظام على تقدير مضاف محذوف، ورد بأن هذا التقدير خلاف الظاهر، ثم أجاب سبحانه عن الضارب لهذا المثل فقال
(قل) أي على سبيل تبكيته وتذكيره بما نسيه من فطرته الدالة على حقيقة الحال.
(يحييها الذي أنشأها) أي ابتدأها وخلقها (أول مرة) من غير شيء ومن قدر على النشأة الأولى قدر على النشأة الثانية.
(وهو بكل خلق عليم) لا تخفى عليه خافية ولا يخرج عن علمه خارج كائناً ما كان، أي يعلم تفاصيل المخلوقات بعلمه وكيفية خلقها فيعلم أجزاء الأشخاص المتفتتة المتبددة أصولها وفصولها، ومواقعها وطريق تمييزها، وضم بعضها إلى بعض على النمط السابق وإعادة الأعراض والقوى التي كانت فيها أو إحداث مثلها.
وقال الكرخي: يعلمه مجملاً ومفصلاً، أي قبل خلقه وبعد خلقه، والآية حجة على من ينكر علمه سبحانه بالجزئيات ونظيره قوله سبحانه: (إن الله قد أحاط بكل شيء علماً).
(الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً) هذا رجوع منه سبحانه إلى تقرير ما تقدم من دفع استبعادهم فنبه سبحانه على وحدانيته، ودل على قدرته على إحياء الموات بما يشاهدونه من إخراج النار المحرقة من العود الندي الرطب.
وذلك أن الشجر المعروف بالمرخ والشجر المعروف بالعفار إذا قطع منهما عودان مثل السِواكين وضرب أحدهما على الآخر انقدحت منهما النار وهما أخضران، قيل المرخ هو الذكر والعفار هو الأنثى ويسمى الأول الزند والثاني


الصفحة التالية
Icon