الزندة، تقول العرب: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، أي استكثر منهما وذلك أن هاتين الشجرتين من أكثر الشجر ناراً، وقال الحكماء: في كل شجر نار إلا العناب لمصلحة الدق للثياب، ولذلك تتخذ منه مطارق القصارين.
وبالجملة فمن بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر مع مضادة النار الماء وانطفائها به، فمن قدر على جمع الماء والنار في الشجر قدر على المعاقبة بين الموت والحياة في البشر، وإجراء أحد الضدين على الآخر بالتعقيب أسهل في العقل من الجمع معاً بلا ترتيب، وقال الأخضر، ولم يقل الخضر اعتباراً باللفظ، وقرىء الخضر اعتباراً بالمعنى.
وقد تقرر: أنه يجوز تذكير اسم الجنس وتأنيثه، كما في قوله: (نخل منقعر) وقوله: (نخل خاوية) فبنو تميم ونجد يذكرونه، وأهل الحجاز يؤنثونه إلا نادراً، والموصول بدل من الموصول الأول.
(فإذا أنتم منه توقدون) أي تقدحون منه النار وتوقدونها من ذلك الشجر الأخضر ثم ذكر سبحانه ما هو أعظم من الإنسان خلقاً فقال:
(أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم)؟
والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر كنظائره، ومعنى الآية: أن من قدر على خلق السموات والأرض وهما في غاية العظم وكبر الأجزاء يقدر على إعادة خلق البشر الذي هو صغير الشكل ضعيف القوة، كما قال سبحانه: (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس) قال الشهاب: أي مثل هؤلاء الأناس الذين ماتوا، والمراد هم وأمثالهم على سبيل التقديم والتأخير، أو المراد هم على طريق الكناية في نحو مثلك يفعل كذا، قرأ الجمهور: بقادر بصيغة اسم الفاعل، وقرىء: يقدر بصيغة المضارع، ثم أجاب سبحانه عما أفاده الاستفهام من الإنكار التقريري بقوله:


الصفحة التالية
Icon