(فآمنوا فمتعناهم إلى حين) أي وقع منهم الإيمان بعدما شاهدوا أعلام نبوته فمتعهم الله في الدنيا إلى حين انقضاء آجالهم، ومنتهى أعمارهم. ولما كانت قريش وقبائل من العرب يزعمون أن الملائكة بنات الله أمر الله سبحانه رسوله ﷺ باستفتائهم على طريقة التقريع والتوبيخ فقال:
(فاستفتهم) أي استخبرهم يا محمد.
(ألربك البنات ولهم البنون)؟ أي كيف يجعلون لله على تقدير صدق ما زعموه من الكذب أدنى الجنسين؟ وأوضعهما وهو الإناث ولهم أعلاهما وأرفعهما وهم الذكور، وهل هذا إلا حيف في القسمة لضعف عقولهم وسوء إدراكهم؟ ومثله قوله: (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى) ثم زاد في توبيخهم وتقريعهم فقال:
(أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون) فأضرب عن الكلام الأول إلى ما هو أشد منه في التبكيت والتهكم بهم، أي كيف جعلوهم إناثاً وهم لم يحضروا عند خلقنا لهم، وهذا كقوله: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ)؟ فبين سبحانه أن مثل ذلك لا يعلم إلا بالمشاهدة، ولم يشهدوا ولا دل دليل على قولهم من السمع، ولا هو مما يدرك بالعقل حتى ينسبوا إدراكه إلى عقولهم
ثم أخبر سبحانه عن كذبهم فقال:
(أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) استئناف من جهته تعالى غير داخل تحت الأمر بالاستفتاء مسوق لإبطال مذهبهم الفاسد ببيان أنه ليس مبناه إلا الإفك الصريح، والافتراء القبيح من دون دليل ولا شبهة دليل؛ فإنه لم يلد ولم يولد، قرأ الجمهور: ولد الله فعلاً ماضياً مسنداً إلى الله وقرىء: بإضافة ولد إلى الله على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي يقولون: الملائكة ولد الله، والولد بمعنى مفعول يستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث، ثم كرر سبحانه تقريعهم وتوبيخهم فقال:


الصفحة التالية
Icon