كثير الخير والبركة (ليدبروا آياته) أي التي من جملتها هذه الآيات المعربة عن أسرار التكوين والتشريع، وهو متعلق بأنزلناه؛ وفي الآية دليل على أن الله سبحانه إنما أنزل القرآن للتدبر والتفكر في معانيه لا لمجرد التلاوة بدون تدبر، قال الحسن قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله حفظوا حروفه وضيعوا حدوده، قرأ الجمهور ليدبروا بالإدغام، وقرىء لتدبروا بالتاء الفوقية على الخطاب وهي قراءة عليّ رضي الله تعالى عنه والأصل لتتدبروا.
(وليتذكر أولو الألباب) أي ليتعظ أهل العقول والبصائر والألباب جمع لب وهو العقل.
(ووهبنا لداود سليمان) أخبر سبحانه بأن من جملة نعمه على داود أنه وهب له سليمان ولداً ثم مدح سليمان فقال (نعم العبد) أي سليمان فالمخصوص بالمدح محذوف، وقيل: إن المدح هنا بقوله نعم العبد هو لداود، والأول أولى وجملة (إنه أواب) تعليل لما قبلها من المدح والأواب الرجاع إلى الله بالتوبة، كما تقدم بيانه.
(إذ عرض عليه بالعشي) أي اذكر ما صدر عنه وقت أن عرض عليه (الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ) وقيل: هو متعلق بنعم، وهو مع كونه غير متصرف لا وجه لتقييده بذلك الوقت، قيل: متعلق بأواب، ولا وجه لتقييد كونه أواباً بذلك الوقت، والعشي من الظهر أو العصر إلى آخر النهار. والصافنات جمع صافن.
وقد اختلف أهل اللغة في معناه، فقال القتيبي والفراء الصافن في كلام العرب الواقف من الخيل أو غيرها وبه قال قتادة ومنه الحديث " من أحب أن يتمثل له الناس صفونا فليتبوأ مقعده من النار (١) "، أي يديمون القيام له وقال
_________
(١) لم نره بهذا اللفظ ورواه الترمذي ٢/ ١٠٠ من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: " من سره أن يتمثل به الرجال قياماً فليتبؤوا مقعده من النار " ورواه أبو داود ٥٢٢٩. وأحمد ٤/ ٩١ باختلاف في الرواية.