والمعنى أستكبرت عن السجود الذي أمرت به؟ بل أكنت (من العالين) أي المستحقين للترفع عن طاعة أمر الله المتعالين عن ذلك، وجملة:
(قال أنا خير منه) مستأنفة جواب سؤال مقدر، ادعى اللعين لنفسه أنه خير من آدم، أي ولو كنت مساوياً له في الشرف لكان يقبح أن أسجد له، فكيف وأنا خير منه، وفي ضمن كلامه هذا أن سجود الفاضل للمفضول لا يحسن، ثم علل ما ادعاه من كونه خيراً منه بقوله:
(خلقتني من نار وخلقته من طين) وفي زعمه أن عنصر النار أشرف من عنصر الطين وأفضل منه، لأن الأجرام الفلكية أشرف من الأجرام العنصرية، والنار أقرب العناصر من الفلك، والأرض أبعدها منه، وأيضاً النار لطيفة نورانية والأرض كثيفة ظلمانية، وهما خير منهما، وذهب عنه أن النار إنما هي بمنزلة الخادم لعنصر الطين إن احتيج إليها استدعيت كما يستدعى الخادم، وإن استغنى عنها طردت، وأيضاًً فالطين يستولي على النار فيطفيها وأيضاً فهي لا توجد إلا بما أصله من عنصر الأرض وأن مآل النار إلى الرماد الذي لا ينتفع به، والطين أصل كل ما هو نام نابت كالإنسان والشجرة.
ومعلوم أن الإنسان والشجرة المثمرة خير من الرماد وأفضل، وعلى كل حال فقد شرف آدم بشرف وكرم بكرامة لا يوازيها شيء من شرف العناصر، وذلك أن الله تعالى خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه، وأمر بالسجود له والجواهر في أنفسها متجانسة، وإنما تشرف بعارض من عوارضها.
(قال فاخرج منها) مستأنفة كالتي قبلها أي فاخرج من الجنة أو من زمرة الملائكة، وقيل من الخلقة التي كنت عليها لأنه كان يفتخر بخلقته فغير الله خلقته واسود بعد ما كان أبيض، وقبح بعد ما كان حسناً، وأظلم بعد ما كان نورانياً، وهذا يدل على أنه لم يكن كافراً حين كان بين الملائكة، ولأن الله تعالى لم يحك عنه إلا الاستكبار عن السجود، فهذا دليل على أنه صار كافراً حين لم يسجد، ذكره الطيبي، ثم علل أمره بالخروج بقوله:
(فإنك رجيم) أي مرجوم بالكواكب، مطرود من كل خير، ملعون بترك أمره.