ثم رجع سبحانه إلى مخاطبة الكفار ومحاجتهم فقال:
(قل أرأيتم) أي أخبروني عن حالتكم العجيبة، واستعمال أرأيتم بمعنى الإخبار مجاز، ووجه المجاز أنه لما كان العلم بالشيء سبباً للإخبار عنه أو الإبصار به طريقاً إلى الإحاطة به علماً، وإلى صحة الإخبار عنه استعملت الصيغة التي لطلب العلم أو لطلب الإبصار في طلب الخير لاشتراكهما في الطلب، ففيه مجازان: استعمال رأى التي بمعنى علم أو أبصر في الإخبار، واستعمال الهمزة التي هي لطلب الرؤية في طلب الإخبار قاله الشهاب.
(إن كان) القرآن (من عند الله) كما قلت (ثم كفرتم به) أي كذبتم به، ولم تقبلوه ولا عملتم بما فيه (من أضل ممن هو في شقاق) خلاف (بعيد) عن الحق أي لا أحد أضل منكم لفرط شقاوتكم، وشدة عداوتكم والأصل أي شيء أضل منكم فوضع من هو في شقاق موضع الضمير لبيان حالهم في المشاقة، وأنها السبب الأعظم في ضلالهم.
(سنريهم آياتنا) أي دلالات صدق القرآن وعلامات كونه من عند الله (في الآفاق) جمع أفق بضم الهمزة والفاء، كذا قال أهل اللغة، كأعناق وعنق، وهو الناحية، ونقل الراغب أنه يقال: أفق بفتحهما كجبل وأجبال، والمعنى سنريهم آياتنا في النواحي على ما أخبرهم به النبي ﷺ من الحوادث الآتية وآثار النوازل الماضية، وما يسر الله له ولخلفائه من الفتوح والظهور على ممالك الشرق والغرب على وجه خارق للعادة، وقال القرطبي أي علامات وحدانيتنا وقدرتنا في الآفاق، يعني خراب منازل الأمم الماضية وربوع القرون الخالية.
(وفي أنفسهم) قال ابن زيد: في الآفاق آيات السماء وفي أنفسهم حوادث الأرض وقال مجاهد في الآفاق فتح القرى التي يسر الله فتحها لرسول الله ﷺ وللخلفاء من بعده وأنصار دينه في آفاق الدنيا، وبلاد المشرق والمغرب عموماً، وفي ناحية المغرب خصوصاً من الفتوح التي لم


الصفحة التالية
Icon