رؤية النبى صلّى الله عليه وسلم للملك
المرتبة الثانية: التى تناولها تتمثل فى رؤية النبى صلّى الله عليه وسلم للملك فى صورته التى خلق عليها، ولقد ذكر القرآن الكريم المرتبتين فى قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١) [النجم]. فهذه هى المرة الأولى. وأما الثانية فذكرت فى السياق نفسه فقال تعالى: أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨) [النجم].
فالمرة الأولى كانت فى بداية الوحى والتى جاء ذكرها فى حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والتى أخرجها الإمام البخارى رحمه الله. حيث قالت: «أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه- وهو التعبد- الليالى ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، فيتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذنى فغطنى- أى ضمنى وعصرنى- حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى الثالثة ثم أرسلنى فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) [العلق]. فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملونى زملونى. فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسى، فقالت خديجة: «كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك تصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الدهر».