تنزلات القرآن الكريم
لقد جاء التعبير بمادة الإنزال وما تصرف منها أو التقى معها تنويها بشرف ذلك الكتاب العزيز، وعلو منزل الكتاب علوا كبيرا، قال تعالى فى فاتحة سورة الزخرف:
حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤).
ومن صيغ التنزيل ما جاء مقترنا بصفات المنزّل سبحانه، ومنها ما جاء بوصف المنزّل، ومنها ما يتعلق بالمنزل عليه صلى الله عليه وسلم، وما يتعلق بالمخاطبين به لإدراك نعمة الله عليهم فى هذا التنزيل. فمما جاء فيه صفات المنزّل سبحانه قوله جل شأنه: حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) [غافر].
وقوله سبحانه: حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) [فصلت]. وقوله سبحانه:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) [فصلت]. وقوله جل شأنه: حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) [الجاثية] وقوله تبارك وتعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠) [الواقعة]، فالمنزل للقرآن سبحانه رب العالمين، هو الذى خلق، ورزق خلقه ورعاهم ورباهم، منحهم رزقه ووحيه، وهو العزيز الذى لا يغلب، والعليم بكل شىء، وبما يصلح خلقه، فأنزل لهم ما يأخذ بأيديهم فى كل شئونهم، وهو غافر الذنب والزلات، وقابل التوب، وهو شديد العقاب لمن كفر وخالف وطغى، إنه القوى الذى لا إله إلا هو، وهو الرحمن وهو الرحيم، وهو الحكيم والحميد. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) [الكهف].
وأما المنزل عليه فيذكر من صفاته ما جاء فى قوله جل شأنه: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) [الشعراء]. فالذى نزل به أمين، على قلب الرسول الأمين، ليكون من المنذرين. وكذلك ما جاء فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ [النساء: ١٣٦].
وجاء الوصف هنا بالرسالة ردا على التصورات الفاسدة فى استبعاد أن ينزل الله على بشر قال تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ