سورة «التكوير»
ومع روضة جديدة من روضات القرآن الكريم مع سورة التكوير، والتى نزلت بعد سورة المسد وهى مكية كلها بالإجماع. وجاء فى ذكر هذه السورة وما تستعمل عليه ما رواه أبو عبد الله الحاكم فى صحيحه من حديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من أحب أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ قول الله تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ»، وأخرجه أحمد فى مسنده وإسناده صحيح ووافق الذهبى تصحيح الحاكم وأورده السيوطى فى الدر المنثور «١».
وتأتى هذه السورة لتضع أمام الناس مشاهد كونية تجمع بين العظمة والنعمة، والناس يشاهدونها وينعمون بها ليلا ونهارا، ولكن استمرارها واستغراق الناس فيها
يجعل بعضهم فى غفلة منها تنسيه خالقها ومسيرها، والمتفضل بتسخيرها سبحانه وتعالى؛ ولذلك نجد السورة الكريمة تطرق آذان الناس وأبصارهم وحواسهم، وتوقفهم على آيات العظمة والنعمة، وحتى تتبدل وتتغير وتتحول ويحدث فيها تغير هائل، وفى وسط هذه الآيات الباهرة، وما تحدثه فى نفس السامع ينبه إلى خطأ اجتماعى قاتل يدل على قسوة بالغة فى القلوب يعالجه القرآن الكريم مع هذه الزلزلة القلبية والعقلية؛ لأنه خطأ ضخم ضخامة هذه الآيات وضخامة هذا التعبير الكونى.
إنه تنبيه إلى حقيقة الآيات والتنعم بها وتنبيه إلى مسئولية الإنسان عن عمله، والتسجيل الدقيق عليه وتنبيه إلى الأخطاء التى يقعون فيها، وإلى المصير الذى سيصلون إليه.
فهذه المعانى على ترتيبها البديع فى قوله تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤).
فإذا أظلمت الشمس بعد ضوئها وحراراتها، أو ذهبت أو اضمحلت أو غورت أو