سورة «العاديات»
وهى سورة مكية فى قول ابن مسعود وجابر وعكرمة وعطاء، ونزلت بعد سورة العصر وأما فى قول ابن عباس وأنس ومالك وقتادة فمدنية.
وبدأ السورة الكريمة بالقسم الذى ينبهنا إلى أهمية المقسم به، وخطورة المقسم عليه ولكن وقت نزول السورة الكريمة فى مكة لم يكن المؤمنون قد أمروا بقتال ولكنّ السورة الكريمة تهيئ النفوس بما تقدمه من مشاهد القتال التى ستكون مستقبلا جهادا فى سبيل الله وإعلاء لكلمته، يقول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١).
فمشهد القتال الذى يعدّ له المؤمنون ترى فيه الأفراس تعدو فى سبيل الله فتضبح أى تحمحم «١»، فالضبح صوت أنفاس الخيل إذا عدون، والعدو تباعد الأرجل فى سرعة المشى، فالعين تشاهد سرعة الخيل، والأذن تسمع ضبحتها، ويشتد المشهد عند ما ترى للخيل نار حين تورى النار بحوافرها وهى: سنابكها، فالخيل من شدة عدوها تقدح النار بحوافرها. والخيل هذه تغير على العدو عند الصبح، وهذا من التوجيه والبشريات فلعزّهم سيغيرون صبحا، أى علانية تشبيها بظهور الصبح «٢»، ولقد سار المؤمنون على هذا بعد ذلك فكانوا إذا أرادوا الغارة سروا ليلا، ويأتون العدوّ صبحا؛ فكما أنه دليل عزّة المؤمنين فإنه كذلك وقت غفلة الناس، ومنه قوله تعالى: فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) [الصافات] والخيل كذلك تثير الغبار لشدة عدوها حتى تتوسط الأعداء فتفرقهم وتشتت شملهم. فهذه المشاهد للخيل عند ما تذكر للمؤمنين قبل أن يؤذن لهم بالقتال توجيه لهم وتهيئة للنفوس لتعد نفسها، ولترتفع النفسية المؤمنة ثقة بأن العاقبة لها، وأنها ستخوض هذه الغمار، ويكون لخيلها هذا النشاط وهذه الحركة السريعة التى تربك العدو وتشتته. وأما قول أنس بن مالك وابن عباس وقتادة من أن السورة

(١) القرطبى ٢٠/ ١٥٣.
(٢) القرطبى ٢٠/ ١٥٨.


الصفحة التالية
Icon