سورة «الكوثر»
وهى مكية فى قول ابن عباس والكلبى ومقاتل نزلت بعد سورة العاديات وأما فى قول الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة فمدنية. ومن دلائل مكيّتها ما ذكره ابن كثير رحمه الله من قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة: إنها نزلت فى العاص بن وائل، وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له فإذا هلك انقطع ذكره فأنزل الله هذه السورة، وقال شمر بن عطية: نزلت فى عقبة بن أبى معيط، وقال ابن عباس أيضا وعكرمة: نزلت فى كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش، وقال البزار: حدثنا زياد بن يحيى الحسانى، حدثنا ابن عدى عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش: أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا الصغير المنبتر من قومه؟ يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية، فقال: أنتم خير منه، قال: فنزلت: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣) هكذا رواه البزار وهو إسناد صحيح وعن عطاء: نزلت فى أبى لهب وذلك حين مات ابن لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين فقال: بتر محمد الليلة فأنزل الله فى ذلك: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣) «١».
وأما أدلة كونها مدنية فما رواه الإمام أحمد رحمه الله بإسناده الثلاثى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أغفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رأسه متبسما، إما قال لهم وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنه أنزلت علىّ آنفا سورة» فقرأ: بسم الله الرّحمن الرّحيم إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١)... حتى ختمها، فقال: «هل تدرون ما الكوثر؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «هو نهر أعطانيه ربى عز وجل فى الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتى يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول:
يا رب إنه من أمتى، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»
.
وقد روى مسلم رحمه الله كذلك حديث أنس بلفظ: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين

(١) ابن كثير ٤/ ٥٥٩.


الصفحة التالية
Icon