سورة «التكاثر»
وهى مكية فى قول جميع المفسرين غير أن البخارى رحمه الله روى أنها مدنية «١».
وهذه السورة الكريمة تعالج ظاهرة إنسانية تستبد بالإنسان عند ما يغفل وينسى مصيره، وهى ظاهرة التكاثر، وهذا التفاخر من الأمور التى تقف عقبة فى طريق إسلام الناس واتباعهم للهدى. قال ابن عباس ومقاتل والكلبى: «نزلت فى حيّين من قريش: بنى عبد مناف، وبنى سهم، تعادّوا وتكاثروا بالسادة والأشراف فى الإسلام، فقال كل حىّ منهم: نحن أكثر سيدا وأعزّ عزيزا، وأعظم نفرا، وأكثر عائذا، فكثر بنو عبد مناف سهما، ثم تكاثروا بالأموات، فكثرتهم سهم فنزلت: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) يعنى بأحيائكم فلم ترضوا حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) مفتخرين بالأموات، وروى سعيد عن قتادة قال: كانوا يقولون: نحن أكثر من بني فلان، ونحن أعدّ من بنى فلان، وهم كلّ يوم يتساقطون إلى آخرهم والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم، وعن عمرو بن دينار: حلف أن هذه السورة نزلت فى التجار «٢».
وأما على ما روى البخارى رحمه الله من أنها مدنية فيأتى قول مقاتل وقتادة وغيرهما: نزلت فى اليهود حين قالوا: نحن أكثر من بنى فلان، وبنو فلان أكثر من بنى فلان، ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلّالا، وقال ابن زيد: نزلت فى فخذ من الأنصار، وعن شيبان عن قتادة قال: نزلت فى أهل الكتاب «٢»، وعلى ذلك فإن السورة الكريمة مع كونها مكية على قول جميع المفسرين- كما سبق- فإنها تعم جميع ما ذكر وغيره وتعالج فى الإنسان هذه الظاهرة الخطيرة منذ وقت مبكر ففي صحيح مسلم عن مطرّف عن أبيه قال: أتيت النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو يقرأ: «ألهاكم التكاثر» قال: «يقول ابن آدم: مالى مالى، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» وفى رواية أبى هريرة فى مسند آخر: «وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس».
وروى البخارى رحمه الله عن ابن شهاب: أخبرنى أنس بن مالك أن رسول الله

(١) القرطبى ٢٠/ ١٦٨.
(٢) المرجع السابق ٢٠/ ١٦٨، ١٦٩.


الصفحة التالية
Icon