سورة «الكافرون»
بعد سورة «الماعون» التى نبهت إلى صفات من يكذب بالدين، وتنزل سورة «الكافرون» لتعلن فى صورة حاسمة البراءة من عمل الكافرين الذين اتخذوا من دون الله أندادا، ولتأمر بالإخلاص لله وحده فلا إله إلا هو، ولتحسم الأمر فى المساومة التى حاولها المشركون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد فشلهم فى الفتنة البدنية والمالية، وفى السخرية والاستهزاء، وفى محاولات التشويه لشخصية النبى صلّى الله عليه وسلم والطعن فى مضمون دعوته. فلجأ المشركون بعد هذا الفشل إلى أسلوب المساومة على المبادئ، وإذا ساغ لهم هذا باعتبار أنهم ليسوا على شىء، وليسوا على مبدأ يقينى، فإنه لا يجد قبولا لدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولدى أصحابه، فقد استقرت عقيدة التوحيد فى القلوب واطمأنت بها فلا تقبل تحويرا ولا تبديلا ولا شركا، فقد روى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يطوف بالكعبة فاعترضه الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل السهمى، وكانوا ذوى أسنان فى قومهم، فقالوا:
«يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت فى الأمر، فإن كان الذى تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه» «١». فهذا العرض وتلك المساومة، تدل على أنهم ليسوا على شيء، وكان الجواب الذى لا جواب سواه رفضه هذه المساومة وينزل فى ذلك قول الله تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلم: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦).
ويقول ابن كثير فى تفسيره: هذه السورة سورة البراءة من العمل الذى يعمله المشركون وهى أمره بالإخلاص فيه فقوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) يشمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن المواجهون بهذا الخطاب هم كفار قريش، وقيل إنهم من جهلهم دعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده

(١) السيرة لابن هشام ٢/ ٣٨٨.


الصفحة التالية
Icon