سورة «القيامة»
وهى سورة مكية نزلت بعد سورة القارعة فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة القيامة، وفى لفظ سورة «لا أقسم بمكة» «١»، وعن ابن الزبير قال: أنزلت سورة «لا أقسم بمكة» «٢».
ونزول سورة القيامة بعد سورة القارعة يعالج مجموعة من القضايا منها ما يتعلق بأخطرها وهى قضية البعث وموقف الإنسان منه بين مؤمن وكافر، وكيف يقدّم الإقناع العقلى والإشباع القلبى للانتفاع بركن الإيمان باليوم الآخر، فالسورة السابقة سميت بصفة من صفات هذا اليوم فهى القارعة. وهذه السورة سميت كذلك بما يحدث فى هذا اليوم من قيام الناس لرب العالمين، قال تعالى فى شأن هذا القيام: أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦) [المطففين] فهى سورة القيامة، وفيها بيان علاقة النفس بهذا اليوم ومعالجة هذه العلاقة وتحذير الإنسان من عاقبة الإنكار ومن عاقبة التغافل أيضا وبيان حقيقة المصير الذى إليه يصير الإنسان فى هذا اليوم.
ولصلة هذه القضية بالوحى المنزل وما يخبر به عن حقائق هذا اليوم كان البيان القرآنى فى السورة، والذى يطمئن النبى صلّى الله عليه وسلم والمؤمنين والبيان لغيرهم- أيضا- فى أن هذا الوحى فى حفظه وبيانه يعود إلى الله وحده.
وتعرض السورة قضية النفس بين العاجلة والآخرة، وحالة الوجوه المتباينة، وأصحابها فى الآخرة، وكيف يساق الإنسان إلى مصيره سوقا لا يجدى معه عمل بشرى فى رقية أو مداواة، وكيف يكون حال المكذب المعرض عند ما يجد نفسه أمام هذا المصير، وهل يحسب الإنسان أنه يترك بلا أمر أو نهى بعد أن خلقه الله بهذا الإحكام من نطفة ومرورا بالأطوار الدالة على كمال القدرة. كل هذه القضايا تبسطها السورة أمام الناس فى مكة المكرمة؛ حتى لا يبقى مجال للإنكار، فالحجة واضحة والبرهان جلى والأدلة مقنعة ومشاهدة، وما حضر يدل على ما غاب وخفى دلالة قوية، وحتى

(١) أخرجه ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل من طرق عن ابن عباس، انظر: فتح القدير ٥/ ٣٣٤.
(٢) أخرجه ابن مردويه، انظر: المرجع السابق، وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ١٩/ ٩١.


الصفحة التالية
Icon