سورة «ق»
وقد نزلت بعد سورة المرسلات فهى مكية كلّها فى قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر إلا قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فإن ابن عباس وقتادة ذكرا أنها آية مدنية «١».
وبنزول سورة «ق» يتتابع العلاج القرآنى للناس فى أهم ما ينقذهم من عبث الجاهلية الذى تشبث به الضلال المبين وصار يضرب فى كل اتجاه فى العقيدة وفى النفوس وفى السلوك وفى العلاقات الاجتماعية، واختلطت عليهم المفاهيم وواجهوا الوحى مواجهة المتعجب الذى لا يتصور تغييرا ولا تبديلا، ولا يتصور كذلك أن يخص الله رسولا من أنفسهم بوحيه فيرسله إليهم بشيرا ونذيرا وهذا الموقف منهم جعلهم يتعجبون كذلك من كل ما جاء به الرسول الكريم وخاصة ما يتصل بالبعث ولذلك تستمر معالجة التنزيل الحكيم لإنقاذ الناس من هذا الضلال المتراكم فيقول تعالى فى هذه السورة: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى
السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ
(١٥).
فتكذيب المشركين بما جاء به النبى صلّى الله عليه وسلم جعلهم فى أمر مريج، وأصل المرج الاضطراب والقلق فيقال: مرج أمر الناس وفى الحديث: «كيف بك يا عبد الله «٢» إذا كنت فى قوم قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا هكذا وشبك بين

(١) القرطبى ١٧/ ١، وفتح القدير ٥/ ٧٠.
(٢) هو عبد الله بن عمرو بن العاص كما فى مسند أبى داود تفسير القرطبى ١٧/ ٥.


الصفحة التالية
Icon