سورة «الجن»
نزلت بعد سورة «الأعراف» فهى مكية، قال القرطبى: فى قول الجميع وقال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت سورة «الجن» بمكة «١»، وعن عائشة رضي الله عنها وابن الزبير مثله «٢».
وقد أخرج أحمد والبخارى ومسلم والترمذى وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «انطلق النبى صلّى الله عليه وسلم فى طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شىء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها لتعرفوا ما هذا الأمر الذى حال بينكم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبى صلّى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا: هذا والله الذى حال بينكم وبين خبر السماء، فهنا لك رجعوا إلى قومهم، فقالوا: «يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا» فأنزل الله على نبيه صلّى الله عليه وسلم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ وإنما أوحى إليه قول الجنّ».
وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذى وصححه والنسائى وابن جرير والطبرانى وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال:
«كانت الشياطين لهم مقاعد فى السماء يسمعون فيها الوحى، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا، فأما الكلمة فتكون حقا، وأما ما زادوا فيكون باطلا، فلما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك فقال لهم: ما هذا إلا من أمر قد حدث فى الأرض، فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم قائما يصلى بين جبلين بمكة فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الحدث الذى حدث فى الأرض» «٣».
وأما ما تضمنته سورة الجن من المعانى على ترتيب نزولها فإنها تعالج معارف الناس عن نوع من مخلوقات الله سبحانه قد اختلط على الناس الفهم لحقيقة هذا النوع المتمثل
(٢) أخرجه ابن مردويه- المرجع السابق ٥/ ٣٠٢.
(٣) فتح القدير ٥/ ٣٠٦، ٣٠٧.