المقدمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على خاتم النّبيّين، وإمام المرسلين، ناصر الحق بالحق، والهادي إلى صراط مستقيم سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فقد كتب الله سبحانه لي شرف المشاركة في خدمة القرآن العظيم، فأكرمني بحفظه طفلا حيث أجزت بقراءته من شيوخ قراء بلاد الشام، ثم شرفت بالعناية به وخدمة أهله الذين سمّاهم النّبي صلّى الله عليه وسلّم أشراف الأمة، وأثنى عليهم المولى سبحانه في صريح التّنزيل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا [فاطر: ٣٥/ ٣٢].
لذلك فإنني لم أتردد في اختيار جهة البحث الذي سأطرقه في حقل الدراسات القرآنية، وكان أن أكرمني الله سبحانه بزيارة جمهورية السودان، وعرفت فيها جامعة القرآن الكريم، وهي من أهم المراكز العلمية المتخصصة في خدمة القرآن العظيم، حيث تضم اثنتي عشرة كلية علمية، تنتشر على ضفاف النيل، في عاصمة السودان، تتعاون جميعا في خدمة القرآن الكريم، إضافة إلى عدد من المراكز العلمية والمكتبات المتصلة بهذه الجامعة الكريمة.
وقد كنت منذ أن اشتغلت بالقراءات القرآنية أقلّب الفكر في مسألة واحدة هي: ما الحكمة من تعدد القراءات المتواترة على الرغم من أن مصدرها واحد؟ ولماذا كتبت في المصاحف بوجه واحد؟ ولماذا غابت عن الرسم الوجوه المتواترة الأخرى؟ مع أن الشاهد منها ليس أوثق إسنادا من الغائب؛ ولا هو أثبت في الاستدلال من أخيه، إذ سائر المتواتر في الثبوت والدلالة سواء، فقد حسم الأئمة القرّاء هذه المسألة قديما، واستقرّ الإجماع على المتواتر، واعتقدته الأمّة قرآنا، وأصبح ما أثر عن الأوّل من ردّ متواتر أو الإنكار عليه، محمولا على سبب واحد وهو عدم ثبوت التواتر لديه لا غير.
وقد كتب كثير من العلماء في حكمة القراءات المتواترة وأثرها في الرسم واللغة والفقه، ولكن بقي هذا الجهد في إطار العرض العام للمسألة، من غير أن يتناولها باحث بقلم الإحاطة والحصر،


الصفحة التالية
Icon