الفصل الرابع عشر: الوقف والابتداء
الوقف علم ضروري لمعرفة معاني القرآن، وهو معيار دقيق لحسن الفهم ودقة الملاحظة وتكامل المعاني، ولا يحسن هذا العلم إلا من حسن علمه، واتسعت دائرة ثقافته القرآنية، وملك ناصية الفهم الموفق، فمن أساء الوقف اضطربت المعاني لديه، وتعارضت الأحكام في نظره، وربما وقع في أخطاء جسيمة، وأهم ما يجب أن يتعلمه قارئ القرآن مواطن الوقف الصحيح، لكي يستقيم المعنى وتتضح الدلالة ويصح الحكم...
ونظرا لأهمية الوقف في الدراسات القرآنية فقد انصرف بعض العلماء للتأليف في علمه وبيان مواطنه، واعتبر الوقف من علم التجويد، وهو من أهم ما اهتم به قراء القراءات، نظرا لأن التنفس أمر ضروري خلال القراءة، ولا يمكن الاستغناء عنه، ولذلك حدد علماء القراءات المواطن التي يحسن الوقف عليها، والمواطن التي لا يجوز الوقف عليها، لما يؤدي إليه ذلك من خلل في المعنى.
وممن ألّف في الوقف: الزجاج وأبو جعفر النحاس وابن الأنباري وابن عباد والداني والعماني وغيرهم، وكتب «ابن الجزري» في كتابه «النشر في القراءات العشر» عن الوقف والابتداء في الجزء الأول وعن الوقف على مرسوم الخط في الجزء الثاني، وقال في موطن تعليل أسباب الوقف:
«لما لم يمكن القارئ أن يقرأ السورة أو القصة في نفس واحد ولم يجر التنفس بين كلمتين حالة الوصل بل ذلك كالتنفس في أثناء الكلمة وجب حينئذ اختيار وقف للتنفس والاستراحة وتعين ارتضاء ابتداء التنفس والاستراحة، وتحتم ألا يكون ذلك مما يخل بالمعنى ولا يخل بالفهم، إذ بذلك يظهر الإعجاز ويحصل القصد، ولذلك حضّ الأئمة على تعلمه ومعرفته (١).
ونقل ابن الجزري عن علي بن أبي طالب قوله: الترتيل معرفة الوقوف

(١) انظر النشر في القراءات العشر، ج ١، ص ٢٢٤.


الصفحة التالية
Icon