سورة هود عليه السلام مكية وهى مائة وثلاث وعشرون آية سورة هود (١)
﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾
﴿الر﴾ محلُّه الرفعُ على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ وقيل على أنه مبتدأٌ والأولُ هو الأظهرُ كما أشير إليه في سورة يونُسَ أو النصبُ بتقديرِ فعلِ يناسب المقام نحوِ اذكُر أو اقرأْ على تقديرِ كونِه اسماً للسورة على ما عليه إطباقُ الأكثرِ أو لا محلَّ له من الإعراب مسرودٌ على نمط التعديدِ حسبما فُصِّل في أخوَاته وقوله تعالى
﴿كِتَابٌ﴾ خبرٌ له على الوجه الثاني ولمبتدأ محذوفٍ على الوجوه الباقيةِ
﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ نُظمت نظماً مُتْقناً لا يعتريه خللٌ بوجه من الوجوه أو جُعلت حكيمةً لانطوائها على جلائل الحِكَم البالغةِ ودقائِقها أو مُنعت من النسخ بمعنى التغييرِ مطلقاً أو أُيِّدت بالحُجج القاطعةِ الدالةِ على كونِها من عندِ الله عزَّ وجلَّ أو على ثبوتِ مدلولاتِها فالمرادُ بالآيات جميعُها أو على حقية ما تشتمل عليه من الأحكام الشرعيةِ فالمرادُ بها بعضُها المشتملُ عليها كما إذا فُسِّر الأحكامُ بالمنع من النسخ بمعنى تبديلِ الحُكمِ الشرعيِّ خاصةً وأما تفسيرُه بالمنع من الفساد أخذاً من قولهم أحكمتَ الدابة إذا وضعتَ عليها الحَكَمة لتمنعَها من الجِماح ففيه إيهامُ ما لا يكادُ يليقُ بشأن الآياتِ الكريمةِ من التداعي إلى الفساد لولا المانع وفي إسناد الإحكامِ على الوجوه المذكورةِ إلى الآيات الكتابِ دون نفسِه لا سيما على الوجوه الشاملةِ لكل آية آية منه من حسن الموقعِ والدِلالة على كونه في أقصى غاية منه ما لا يخفى
﴿ثُمَّ فُصّلَتْ﴾ أي جُعلت فصولاً من الأحكام والدلائل والمواعظِ والقِصصِ أو فُصّل فيها مَهمّاتُ العبادِ في المعاش والمعادِ على الإسناد المجازيِّ والتفسيرُ بجعلها آيةً آيةً لا يساعده المقام لأن ذلك من الأوصاف الأوليةِ فلا يناسب عطفُه على أحكامها بكلمة التراخي وأما المعنيان الأوّلانِ فهما وإن كانا مع الأحكام زماناً حيث لم تزَل الآياتُ مُحكمةً مفصّلة لا أنها أُحكِمَتْ أو فُصِّلَت بعد أن لم تكن كذلك إذ الفعلانِ من قَبيل قولِهم سُبحان مَنْ صغر البعوض وكبر الفيل إلا أنهما حيث كانا من صفات الآياتِ باعتبار نسبةِ بعضِها إلى بعضٍ على وجه يستتبِعُ أحكاماً مخصوصةً وآثاراً معتدًّا بها وبملاحظة مصالحِ العبادِ ناسبَ أن يشار إلى تراخي رتبتِهما عن رتبة الإحكام وإن حُمل جعلُها آية آيةً على معنى تفريقِ بعضِها عن بعض يكونُ من هذا القبيل إلا أنه ليس في مثابته في استتباع ما يستتبعه من الأحكام والآثارِ أو فُرّقت في التنزيل منجّمة بحسب المصالحِ فإن أريد تنزيلُها المنجَّمُ بالفعل فالتراخي زمانيٌّ وإن أريد جعلُها في نفسها بحيث يكون نزولُها منجّماً حسبما تقتضيهِ الحِكمةُ والمصلحةُ فهو رُتبيٌّ لأن ذلك وصفٌ لازمٌ لها حقيقٌ بأن يُرتَّبَ على وصف إحكامها وقرئ أحكمت