خاتمة
من ذلك يبدو أن القرآن مكون من ألفاظ مختارة دقيقة موحية، قد اتسقت في جملها، واستقرت في مكانها، وكونت مع زميلاتها آيات تؤثر في نفس سامعها بقوة نسجها، وجمال موسيقاها، قد قدم فيها ما قدم، وأخر ما أخر، وذكر ما ذكر، وحذف ما حذف، واستعملت صيغة دون أخرى، لاعتبارات نفسية دقيقة، وكونت تلك الآيات سورا، ترمى إلى توجيه النفس الوجهة الصحيحة المستقيمة، ولم تكدس الآيات في السورة تكديسا لا ربط فيه بين الآية وأختها، ولكن كان النهج القرآنى الذى يصل بين الآيات خير نهج يؤثر في النفس الإنسانية، ويدفعها إلى العمل الصالح المثمر، فى أسلوب يدعو إلى التفكير الهادئ، أو يؤثر تأثيرا سريعا عنيفا.
أما عناصر الموضوعات القرآنية فمما يرتكز على الغرائز الثابتة في النفس، وهى من أجل ذلك تؤثر عميق التأثير، وتخلد ما بقى الزمن.
هذا، وقد كان لبلاغة القرآن أثر كبير فيما ألف من كتب البلاغة، فمنه اقتبست تلك الكتب كثيرا من أمثلتها، وألف بعض العلماء كتبا خاصة تعالج ناحية معينة من نواحى
البلاغة القرآنية، كما ترى ذلك في بعض ما أثبتناه من مراجع البحث، ولكن وقف معظمه عند حد الدراسة اللفظية، وعند حدود الجملة.
ولست أزعم أننى وفيت الموضوع حقه، لأن ذلك يتطلب من الجهد والوقت ما لا أملكه إلى اليوم، وحسبى الآن أننى وضعت منهجا، ورسمت خطة لدراسة البلاغة القرآنية، كما ينبغى أن تكون، مؤملا أن أفتح بذلك أبواب البحث لمن يتخصص في هذه الدراسة، فيتناول دراسة المفرد والجملة والسورة والمعنى، على أسس من الاستقراء الشامل، معيدا خصائصها إلى قواعد مطردة، وأصول ثابتة.
والحمد لله الذى هدانا لهذا، وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله.