تمهيد
نقصد بعلوم القرآن- كفنّ مدوّن- المباحث التي تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وإعجازه، وجمعه وترتيبه، وناسخه ومنسوخه، وقراءاته ونحو ذلك من الموضوعات التي كانت معروفة للصحابة وإن لم تكن مدونة مكتوبة إنما مسلكهم في تحصيلها الفهم السديد، أو تذوق بيان القرآن وإعجازه، كل هذا كان سليقة وذكاء في القريحة وبتوجيه وبإرشاد من رسولهم الكريم عليه السلام.
ثم جاء التابعون وبقيت العلوم تؤخذ بالرواية والتلقين لا بالكتابة والتدوين، حتى كانت بداية التدوين لجزء من علوم القرآن، فقام أمثال سفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح وشعبة بن الحجاج ليدونوا لنا الروايات التفسيرية المروية عن الصحابة وكبار التابعين، وبذلك كانت أول حركة لتدوين علوم التفسير، ثم جاء الفراء المتوفى سنة ٢٠٧ هـ فدوّن كتابه معاني القرآن، ويحيى بن سلام ومحمد بن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠ هـ وقد دوّن في مقدمة تفسيره أبحاثا في علوم القرآن كبحث الأحرف السبعة، وتوالت بعده كتب التفسير بالمأثور والمعقول والجمع بينها.
هذا ما يتعلق بعلوم التفسير أما ما يطلق عليه علوم القرآن، فلم يتناول أحد تدوين هذا العلم ككلّ بل شرحوا أبعاضه وأجزاءه، فعلي ابن المديني شيخ الإمام البخاري (المتوفى في سنة ٢٣٤ هـ) كتب في أسباب نزول القرآن، وأبو عبيد بن سلّام (المتوفى سنة ٢٢٤ هـ) كتب الناسخ والمنسوخ، ومن كتّاب علوم القرآن في القرن الرابع الهجري، أبو بكر السّجستاني الذي ألّف في غريب القرآن، وفي القرن الخامس علي بن سعيد الحوفي الذي ألّف في إعراب القرآن. وفي السادس كتب السهيلي في مبهمات القرآن، ثم انهالت التآليف في كلّ فنّ، كالقراءات، وأسباب النزول، والإعجاز، والأمثال، والقرآن وحججه وجدله.
ويرى الشيخ الزرقاني أن أول عهد لظهور هذا الاصطلاح هو القرن الرابع الهجري إذ كتب علي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي المتوفى سنة ٤٣٠ هـ كتابه


الصفحة التالية
Icon