وقال بعضهم: لما كان صلّى الله عليه وسلّم حريصا على إيمانهم مزعجا نفسه في الاجتهاد في ذلك سكن جأشه بقوله: إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ [هود: ١٢] ونَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ
والمعنى: لا تقدر على سوق قلوبهم إلى الصلاح فعلى هذا لا نسخ.
ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً [آل عمران: ٢٨] قد نسب قوم إلى أن المراد بالآية اتقاء المشركين أن يوقعوا فتنة أو ما يوجب القتل والفرقة ثم نسخ ذلك بآية السيف.
وليس هذا بشيء، وإنما المراد من الآية جواز اتقائهم إذا أكرهوا المؤمن على الكفر بالقول الذي لا يعتقده، وهذا الحكم باق غير منسوخ، وهو المراد بقوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النحل: ١٠٦].
[٨٧] (١) - أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال: ابنا ابن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: ابنا ابن شاذان قال: ابنا أحمد بن كامل، قال: حدّثني محمد بن سعد العوفي قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً والتقية باللسان: من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية الله؛ فتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإيمان فإن ذلك لا يضره.
[٨٨] (٢) - وأخبرنا عبد الوهاب، قال: ابنا أبو طاهر الباقلاوي قال: ابنا ابن شاذان، قال: ابنا عبد الرحمن بن الحسن، قال: ابنا إبراهيم بن الحسين، قال:
بنا آدم، قال: بنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد؛ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً قال: إلا مصانعة في الدين.
وقد زعم إسماعيل السّدي، أن قوله: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ [آل عمران: ٢٨] منسوخة بقوله: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً. ومثل هذا ينبغي تنزيه الكتب عن ذكره فضلا عن رده، فإنه قول من لا يفهم ما يقول!
ذكر الآية الثالثة والرابعة والخامسة
: قوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى قوله: يُنْظَرُونَ [آل عمران: ٨٦ - ٨٨] اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآيات على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها نزلت في الحارث بن سويد؛ كان قد أسلم ثم ارتدّ ولحق

(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٢/ ٦٢٩/ ٣٣٨١).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (٢/ ٦٣٠/ ٣٣٨٥).


الصفحة التالية
Icon