(سورة الكهف مكية إلا الآيات ٢٨ ومن آية ٨٣ إلى آية ١٠١ فمدنية وآياتها ١١٠)

بِسْمِ اللهِ الرحمن الرحيم


﴿الحمد لِلَّهِ الذى أَنْزَلَ على عبده﴾ محمدٍ صلَّى الله عليهِ وسلم ﴿الكتاب﴾ أي الكتابَ الكاملَ الغنيُّ عن الوصف بالكمال المعروفِ بذلك من بين الكتب الحقيق باختصاص اسم الكتابِ به وهو عبارةٌ عنِ جميع القرآن أو عن جميع المُنْزَل حينئذ كما مر مراراً وفي وصفه تعالى بالموصول إشعارٌ بعلية مَا في حيزِ الصلةِ لاستحقاق الحمدِ وإيذانٌ بعِظم شأنِ التنزيلِ الجليلِ كيف لا وعليه يدور فَلكُ سعادةِ الدارين وفي التعبير عن الرسول ﷺ بالعبد مضافاً إلى ضمير الجلالةِ تنبيهٌ على بلوغه ﷺ إلى أعلى معارجِ العبادةِ وتشريف له أي تشريف وإشعارٌ بأن شأنَ الرسولِ أن يكون عبداً للمرسِل لا كما زعمت النَّصارى في حقِّ عيسى عليه السلام وتأخيرُ المفعول الصريح عن الجار والمجرور مع أن حقه التقديمُ عليه ليتصل به قوله تعالى ﴿وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا﴾ أي شيئاً من العِوَج بنوع اختلالٍ في النظم وتَنافٍ في المعنى أو انحرف عن الدعوة إلى الحق وهو في المعاني كالعِوَج في الأعيان وأما قوله تعالى لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً مع كون الجبالِ من الأعيان فللدلالة على انتفاء مالا يُدرك من العوج بحاسة البصر بل إنما يوقف عليه بالبصيرة بواسطة استعمالِ المقاييسِ الهندسيةِ ولمّا كان ذلك مما لا يُشعِر به بالمشاعر الظاهرةِ عُدّ من قبيل ما في المعاني وقيل الفتحُ في اعوجاج المنتصِبِ كالعُود والحائِط والكسرُ في اعوجاج غيرِه عيناً كان أو معنى
﴿قَيِّماً﴾ بالمصالح الدينيةِ والدنيويةِ للعباد على ما ينبئ عنه ما بعده من الإنذار والتبشيرِ فيكون وصفاً له بالتكميل بعد وصفِه بالكمال أو على ما قبله من الكتب السماويةِ شاهداً بصِحتها ومهيمناً عليها أو متناهياً في الاستقامة فيكون تأكيداً لما دل عليه نفيُ العِوج مع إفادة كونِ ذلك من صفاته الذاتيةِ اللازمةِ له حسبما تنبئ عنه الصيغةُ لا أنه نُفي عنه العوجُ مع كونه من شأنه وانتصابُه على تقديرِ كونِ الجملةِ المتقدمةِ معطوفةً على الصلة بمضمر ينبىء عنه نفيُ العِوَج تقديرُه جعلَه قيماً وأما على تقدير كونِها حاليةً فهو على الحاليَّةِ من الكتابِ إذ لا فصل حينئذ بني أبعاضِ المعطوفِ عليه بالمعطوف وقرئ قيماً ﴿لّيُنذِرَ﴾ متعلقٌ بأنزل والفاعلُ ضميرُ الجلالة كما في الفعلين المعطوفين عليه والإطلاقُ عن ذكر المفعولِ الأول للإيذان بأن ما سيق له الكلامُ هو


الصفحة التالية
Icon