سُورَةُ النَّحْلِ
مكية إلا ثلاث آيات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *قوله تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (٢)
قال بعض أهل التأويل: سورة النحل كلها مكية إلا ثلاث آيات؛ فإنها نزلت بالمدينة واللَّه سبحانه أعلم بالصواب.
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ).
في قوله: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) وجهان:
أحدهما: أن يعرف قوله: أمر اللَّه، ما أراد به وما الذي استعجلوه، وإنما استعجلوه الساعة والقيامة؛ بقوله: (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَ...) الآية، ونحوه من الآيات.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أمر اللَّه هو عذابه، وكذلك أجميع، ما ذكر في جميع القرآن من أمر اللَّه؛ المعنى منه عذابه؛ كقوله: (جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ)، أي: عذابه، ونحوه.
ويحتمل قوله: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ): رسوله الذي كان يستنصر به أهل الكتاب على المشركين؛ كقوله: (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا...) الآية، وكان يتمنى مشركوا العرب أن يكون لهم رسول كسائر الكفرة؛ كقوله: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ...) الآية، (فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) ذهاب ما كنتم تتمنون بمحمدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أو شيء آخر. واللَّه أعلم.
ثم إنه لم يرد بقوله: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ) وقوعه؛ ولكن قربه؛ أي: قرب آثار أمر اللَّه؛ كما يقال: أتاك الخبر، وأتاك أمر كذا؛ على إرادة القرب؛ لا على الوقوع. وجائز أن يكون قوله: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ) أي: ظهر أعلام أمر اللَّه وآثاره، ليس على إتيان أمره من مكان إلى مكان؛ كقوله: (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ)، وآثاره: هو رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه كان به يختم النبوة؛ فهو كان أعلام الساعة على ما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فقال: " بعثت أنا