سُورَةُ الْجَنِّ، وهي مَكِّيَّة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (٢) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (٣) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (٤) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (٥) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (٦) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (٧) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (٩) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (١٠).قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ)، اختلف في السبب الذي كان به مجيء الجن إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فمنهم من ذكر أن إبليس صعد إلى السماء، فوجدها قد ملئت حرسا شديدا وشهبا؛ فتيقن أنه قد حدث في الأرض حادث، ففرق جنوده؛ ليعلم ذلك.
ومنهم من يقول بأن الأصنام خرت لوجوهها حين بعث رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فعلم إبليس أنه قد حدث في الأرض حادث حتى خرت له الأصنام، ففرق جنوده؛ ليصل إلى علم ذلك.
ثم من الناس من يزعم أن قصة هذه السورة وقصة قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) - واحدة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ بأن هَؤُلَاءِ النفر الذين ذكروا في هذه السورة كانوا من مشركي الجن، والذين ذكروا في سورة الأحقاف كانوا من يهود الجن؛ دليله: أنه قال في هذه السورة فيما حكي عن الجن: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا)، واليهود يقرون بالبعث، ولا ينكرونه؛ فثبت أنهم كانوا من جنس المشركين، وقال في سورة الأحقاف: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ)؛ فثبت أنه قد كان عندهم علم بالكتاب المنزل على رسول الله موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وكانوا به مقرين، واليهود هم الذين يؤمنون بكتاب موسى - عليه السلام - لا غير.