سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧).
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ):
قيل: إن الذي حمل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على التدثر: أنه كان في بعض طرق مكة إذ سمع صوتا من السماء والأرض؛ فنظر عن يمينه وعن يساره وأمامه وخلفه، فلم ير شيئا، فرفع رأسه فرأى شيئًا؛ ففرق منه، فأتى بيته، وقال: " زملوني "، فدثروه.
فإن صح ما قالوا، وإلا لم يسعهم أن يشهدوا على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن الذي حمله على التدثر ما ذكروا من الفرق.
ولأن التدثر ليس مما يسكن به الروع الذي يحل بصاحبه من الصياح.
وذكروا أن أول ما نزل من الوحي قوله: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)، فإن صح ما ذكروا، فأول ما أوحي إليه هو الصياح الذي سمعه؛ إذ كان ذلك متقدما على قوله: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ).
وقيل: إن كفار مكة قذفوه بالسحر، وأجمعوا رأيهم على أن ينسبوه إليه، وفشا هذا القول فيهم له؛ فأحزنه ذلك؛ فدخل بيته وتدثر بثيابه، فأمره اللَّه - تعالى - أن يقوم فينذرهم بقوله: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ)، وعلى هذا التأويل يكون الوحي نازلا قبل نزول هذه السورة، حتى سموه: ساحرا؛ لما يرون منه من الآيات، واللَّه أعلم.
وذكر أن موسى صلوات اللَّه على نبينا وعليه قال: " أتاني ربي من طور سيناء، وسيأتي من طور ساعورا، وسيطلع من جبل فاران ".
فإن صح هذا الخبر، فمعنى قوله: " أتاني ربي "، أي: أوحى إلي، وقوله: " وسيأتي من طور ساعورا " هو الوحي إلى عيسى عليه السلام، وقوله: " وسيطلع من جبل فاران " هو القرآن الذي أنزل على نبينا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وفي هذا الخبر دلالة أن الأخبار التي ورد بها ذكر نزول الرب في كل ليلة إلى سماء الدنيا، هي على نزول أمره إلى ملائكته، أن قولوا: " هل من داع فيجاب؟، هل من


الصفحة التالية
Icon