سُورَةُ (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) مَكِّيَّة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (٢) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (١٠) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (١١).
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) جعل اللَّه - تعالى - الليل والنهار آيتين عظيمتين ظاهرتين مكررتين على الخلائق ما يعرف كل كافر ومؤمن، وجميع أهل التنازع الذين ينازعون أهل الإيمان والتوحيد من الجبابرة والفراعنة.
والقسم بالليل والنهار، والقسم بقوله: (وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) واحد.
وقد ذكرنا أن القسم إنما يذكر في تأكيد ما يقع به القسم، ما لولا القسم وإن ذلك يوجب دون القسم؛ وذلك لعظم ما فيهما؛ حتى قهرا جميع الفراعنة والجبابرة، وغلبا عليهم في إتيانهما وذهابهما، حتى أن من أراد منهم دفع هذا ومجيء هذا، ما قدروا عليه.
وفيهما دلالة وحدانية اللَّه - تعالى - وألوهيته، وقدرته، وسلطانه، وعلمه، وتدبيره، وحكمته:
أما دلالة وحدانيته وألوهيته: اتساقهما وجريانهما على حد واحد وسنن واحد مذ كانا وأنشئا من الظلمة والنور، والزيادة والنقصان؛ فدل جريانهما على ما ذكرنا أن منشئهما واحد؛ إذ لو كان فعل عدد، لكان إذا جاء هذا، وغلب الآخر، دامت غلبته عليه، وكذلك الآخر يكون مغلوبا أبدا، والآخر غالبا؛ فإذا لم يكن ذلك، دل أنه فعل واحد.
ويدل - أيضا - على أن ليس ذلك عمل النور والظلمة، على ما تقوله الثنوية.
ودل اتصال منافع أحدهما بمنافع الآخر على أن ذلك عمل واحد لا عدد.
ودل اتساق ما ذكرنا، ودوامهما على حد واحد على الاستواء أن منشئهما مدبر عليم، عن تدبير وعلم خرج ذلك لا على الجزاف بلا تدبير.


الصفحة التالية
Icon