سُورَةُ الْكَافِرُونَ مَكِّيَّة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ. وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦).قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ...) إلى آخرها.
ذكر أنها نزلت في منابذة المتمردين المعاندين منهم، الذين علم اللَّه - تعالى - منهم أنهم لا يؤمنون أبدا، ولا يرجعون عما هم عليه من عبادة الأوثان إلى التوحيد والإسلام؛ لأنه لا كل كافر يكون على وصف أنه لا يعبد اللَّه - تعالى - في وقت من الأوقات؛ إذ قد يجوز أن يكون كافرًا في وقت، ثم يسلم في وقت آخر؛ فدل ما ذكرنا أنها نزلت في المتمردين المعاندين الذين علم اللَّه - تعالى - أنهم يثبتون على الكفر، ولا يؤمنون أبدا، وكان كما أخبر؛ ففيه دلالة إثبات الرسالة؛ إذ أخبر أنهم لا يؤمنون، فلم يؤمنوا، وماتوا على الكفر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -:
(لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) أنتم الآن، (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ | (٣) اليوم (مَا أَعْبُدُ) فيما بعد اليوم. |
ولكن لا يجيء أن يكون هكذا؛ بل يجيء أن يكون قوله: (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) في حادث الوقت؛ لأن حرف " ما " إنما يستعمل في حادث الأوقات، يقول الرجل: لا أفعل كذا، يريد به: حادث الوقت.
وقوله: (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) وكذلك - أيضا - في حادث الأوقات، أو إخبار عن الحال.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) إنما هو إخبار عن الماضي من الأوقات؛ كأنه يقول: لم أكن أنا عابدا قط في وقت من الأوقات، وهذا يدل على أن رسول اللَّه - ﷺ - لم يكن عبد غير اللَّه قط.
وفي هذه السورة وجهان من الدلالة:
أحدهما: ما ذكرنا من إثبات الرسالة.