المقَدّمَة
الحمدُ لله الذي نَزَّلَ القرآن بلسانٍ عربيٍّ مُبِين، فكان من عربيته ما أصابَ أعراب الجاهلية بأعظمِ الاندهاشِ والذهول، وكان من بيانِهِ وفصاحته ما يبهر العقول، وتَعْجَزُ عن غوامضِهِ وأسرارِهِ الفحول.
والصلاةُ والسلامُ على من أُوتي جوامع الكَلِم، النبيِّ الأمي إمامًا، أفصح الثقلين لسانًا، وأعذبهم بيانًا، وعلى آله وأصحابه الذين جَنَّدُوا أنفسهم لحماية القرآن الكريم، فوضَّحوا غريبهُ، وبَيَّنُوا مشكلهُ، وَجَلَّوا متشابهه، وفتقوا أسراره وعجائبَهُ.
وبعد:
فإنَّ أعظم ما اشتغل به الباحثون، وأنفس ما صرفت إليه العقول والأذهان، وأعظم علم وأشرفه هو علم كتاب الله - عَزَ وَجَلَّ -، والبحث في أغواره وأعماقه، فقد بذل علماء المسلمين في خدمة هذا الكتاب العظيم جهودًا جَبَّارة منذ الصدر الأول إلى يومنا هذا والقلم السيال لا يتوقَّف عن إخراج مكنونه في أي جانب من جوانب معارفه المختلفة، فاعتنوا بألفاظه ومفرداته، ومعانيه وتراكيبه، وناسخه ومنسوخه، وأحكامه وقراءاته، وإعرابه وفقهه، إلى غير ذلك من ألوان معارفه المختلفة، وما تركوا جانبًا من جوانب الخدمة لكتاب الله إلا وقاموا به خير قيام.
وكثيرًا ما تراودني فكرة وتتوهج في ذهني بين الفينة والأخرى أن أخرج وأنقب عن النفيس من تراثنا المكنون وأن تجتمع فيه صفتان: الصفة الأولى: أن يكون في أشرف العلوم، والصفة الثانية: أن يكون مؤلِّفه من